فضائل يوم عرفة وأهميته في الإسلام

اكتشف أهمية يوم عرفة وفضائله العظيمة، وأهم الأعمال المستحبة فيه، ونصائح للاستفادة القصوى من هذا اليوم المبارك.

مقدمة عن يوم عرفة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. إنه لمن عظيم فضل الله علينا أن بلغنا هذا اليوم الجليل، يوم عرفة، الذي يعتبر من أعظم أيام العام وأكثرها بركة. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين.

التأكيد على أهمية التقوى

أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، فهي خير زاد ليوم المعاد، وهي وصية الله للأولين والآخرين. يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ). والتقوى هي امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه. وفي الحديث عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السيِّئةَ الحَسَنةَ تَمْحُها). فلنتق الله في السر والعلن، لعلنا نرحم.

الجزء الأول من الحديث

يا أمة الإسلام، يا أمة القرآن، لقد بيَّن الله -عز وجل- في كتابه العزيز صفات المؤمنين وأخلاقهم، وحثنا على الاقتداء بهم، وذكر صفات الكافرين والمنافقين، وحذرنا من التشبه بهم. ففي القرآن الكريم بيان واضح لأحوال الفريقين وعاقبة كل منهما.

قال -تعالى-:(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ). وقال -تعالى-:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). وقال -تعالى-:(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ).

إن تدبر كتاب الله يفتح لنا أبواب الهداية والنور، ويقودنا إلى الخير والسعادة في الدنيا والآخرة. قال -تعالى-:(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَ). ويقول الله -جل جلاله- وهو أصدق القائلين:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

إن الدين الإسلامي قائم على أركان خمسة عظيمة، أولها وأهمها تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وذلك بالتوحيد الخالص لله -عز وجل-، وتخصيص العبادة له وحده. فلا يجوز أن نشرك به شيئاً، وأن نتوجه بالدعاء والذبح والنذر والرجاء والخوف والاستغاثة والاستعاذة والاستعانة إلا إليه -سبحانه وتعالى-.

أيها المسلمون، هذه الأيام أيام عظيمة، ويوم عرفة يوم شريف ومبارك، وهو عيد لأهل الموقف. فيه تُعتق الرقاب وتُجاب الدعوات. فما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عباده من النار من يوم عرفة، حيث يدنو الله -تعالى- ثم يباهي بهم الملائكة. هذا اليوم هو من أفضل أيام السنة، ومن الأيام العشر التي أقسم الله بها في كتابه الكريم، فقال:(وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ).

ويوم عرفة هو يوم مشهود، تشهده الملائكة والناس من جميع أنحاء العالم، ويذكرنا بيوم القيامة. وإن لباس الإحرام الأبيض يذكرنا بالموت والكفن، فنسأل الله حسن الخاتمة. كم نغبط حجاج بيت الله الحرام على ما أنعم الله عليهم من بركات وخيرات في هذا الموقف العظيم والمبارك. إن الوقوف بعرفة يمثل تجلي رحمة الله ومغفرته.

ويوم عرفة هو يوم لإحسان الظن بالله -تعالى- وعدم اليأس من رحمته. يُستحب للمسلمين في هذا اليوم الإكثار من الطاعات والقربات، والحرص على أن تغرب ذنوبنا مع غروب شمس هذا اليوم، مع استحضار القلب وصدق الطلب من الله -تعالى-.

يا عباد الله، إن صيام يوم عرفة لغير الحاج سنة نبوية عظيمة، وفضل كبير، فهو يكفر ذنوب سنة ماضية وسنة قادمة، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ).

يا عباد الله، الدنيا تدعونا إلى زينتها، ونحن اليوم مجردون من كل زينة ومتاع، مقبلين على الله -عز وجل-، لا نرجو إلا رضاه، ونطمع في مغفرته. إن هذا الموقف الأجل يحمل رمزية عظيمة، فهو ليس مجرد شعيرة نؤديها ثم نعود إلى الدنيا بكل ما فيها من فتن. بل هو وقوف وتأمل، فعلينا أن نقف مع أنفسنا ونتفكر في حالنا مع الله -عز وجل- ومع شعائر ديننا كلها. هل نتوقف في كل هذه العبادات ونفعلها على أكمل وجه ثم نسأل الله -تعالى- قبولها؟ أم ننجزها إنجاز الواجب المتخلص منه بغض النظر عن القبول من عدمه؟

علينا الوقوف مع حال أمتنا والسعي إلى تغيير حالها. قال -تعالى-:(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ). إن سبب الابتعاد عن دين الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- هو الانشغال بما لا ينفع على حساب ما ينفع.

نسأل الله الهداية والرشاد والخير والسداد، وأقول ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الجزء الثاني من الحديث

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا مُحمَّد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،

أيها المسلمين، أخوة الإيمان؛ علينا أن ندرك قيمة نعمة الإسلام، وأن نحمد الله عليها حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ثم نفعل ما يوجب شكر هذه النعمة بامتثال أوامر الله -عز وجل- واجتناب نواهيه، وشكر الله على أن هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

قال – تعالى-: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ أُولَـئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).

علينا في هذا اليوم العظيم المبارك أن نسأل الله الثبات على الإسلام، وألا تزيغ قلوبنا عن الصراط المستقيم، وإن هذا من صفات الراسخين في العلم الذين عرفوا قدر نعمة هذا الدين ورفعوا شأنه في نفوسهم فرفعهم الله به.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن نكون منهم وإن هدانا للإسلام أن يثبت قلوبنا عليه وألا تزيغ أبصارنا ولا عقولنا عنه.

فيا أمة الإسلام، اجتمعوا على دين الله، ولا تفرقوا، وتذكروا في هذا المشهد الجامع ما سيكون عليه حالنا يوم القيامة. (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الدعاء في يوم عرفة

أيها المسلمون، إن خير الدعاء دعاء يوم عرفة، فأظهروا فيه التوبة والاستغفار والتذلل والانكسار والندامة والافتقار والحاجة والاضطرار:

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم احفظ علينا ديننا، اللهم احفظ علينا أعمالنا، اللهم وفق المسلمين لما يرضيك، اللهم أصلح حال المسلمين، اللهم أبدلهم بالضعف قوة وبالذل عزة وبالهوان هيبة، وبالافتراق جمعاً على الكلمة.

اللهم في هذا اليوم المبارك الذي تُعرض فيه أعمالنا عليك نسألك يا الله أن تغفر لنا وترحمنا ووالدينا، اللهم تقبل من حجاج بيتك الحرام، اللهم ومن الصائمين القانتين الراجين عفوك ورحمتك يا الله، اللهم اغفر لأزواجنا وذرياتنا وأرحم أقاربنا وسائر المسلمين.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).

اللهم صلِّ على مُحمَّد وعلى آل مُحمَّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على مُحمَّد وعلى آل مُحمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.

المصادر والمراجع

  • سورة النساء، آية:131
  • رواه ابن حجر العسقلاني، في الأمالي المطلقة، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:131، حسن.
  • عبد العزيز آل الشيخ،جامع خطب عرفة، صفحة 211.
  • عبد العزيز آل الشيخ،جامع خطب عرفة، صفحة 210. بتصرّف.
  • سورة ص، آية:29
  • سورة ق، آية:37
  • سورة الإسراء، آية:9
  • سورة طه، آية: 123
  • سورة التوبة، آية:71
  • عبد العزيز آل الشيخ،جامع خطب عرفة، صفحة 221.
  • سورة الفجر، آية:1-2
  • مجموعة من المؤلفين،خطب المسجد النبوي، صفحة 50. بتصرّف.
  • القرطبي،تفسير القرطبي، صفحة 286. بتصرّف.
  • مُحمَّد صالح المنجد،55فائدة في يوم عرفة، صفحة 11-19. بتصرّف.
  • رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم:1162، صحيح.
  • سورة آل عمران، آية:110
  • عبد العزيز آل الشيخ،جامع خطب عرفة، صفحة 81. بتصرّف.
  • سورة الزمر، آية:22
  • سورة الشعراء، آية:88-89
  • عبد العزيز آل الشيخ،خطبة عرفة لعام 1426هجرياً، صفحة 31-33. بتصرّف.
  • سورة الحشر، آية:10
Total
0
Shares
المقال السابق

موعظة وجيزة حول الأضحية وأحكامها

المقال التالي

إعداد مقترح بحثي متكامل

مقالات مشابهة

الأعمار المحددة للأضاحي في الشريعة الإسلامية

الأعمار الشرعية للغنم كأضاحي. الأعمار الشرعية للإبل والبقر كأضاحي. السنن المستحبة عند اختيار الأضحية. معايير اختيار الأضحية من الأنعام والعيوب التي تمنع التضحية بها.
إقرأ المزيد