تمهيد
الحمد لله، نستعينه ونستغفره ونتوب إليه. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً أحداً صمداً، لا شبيه له ولا مثيل. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة.
إن الله تعالى قد أنعم علينا بنعم عظيمة، ومن بين هذه النعم أن جعل لنا فرصاً للتقرب إليه بأنواع العبادات، ومن أفضل هذه العبادات صيام النفل.
التوصية بتقوى الله
يا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، فهي وصية الله للأولين والآخرين. اتقوا الله وراقبوه في كل أعمالكم وأقوالكم. قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
[النساء: 1].
وقال عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
[آل عمران: 102].
فاجعلوا التقوى زادكم، فإنها خير الزاد.
القسم الأول
إن من فضل الله علينا أن جعل لنا نوافل بعد الفرائض، لنجبر بها النقص الذي قد يقع في الفرائض، ولنزداد قرباً منه سبحانه وتعالى. ومن بين هذه النوافل العظيمة صيام التطوع.
عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن وجدت تامة كتبت تامة، وإن كان انتقص منها شيء. قال: انظروا هل تجدون له من تطوع يكمل له ما ضيع من فريضة من تطوعه، ثم سائر الأعمال تجري على حسب ذلك.
[رواه أحمد والنسائي، حديث صحيح].
صيام النفل هو من أعظم القربات إلى الله بعد الفرائض. وهو سبيل لنيل محبة الله ورضوانه. فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته.
[رواه البخاري، حديث صحيح].
صوم النفل يبعد العبد عن النار، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: من صام يوماً في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً.
[رواه البخاري، حديث صحيح].
الصوم وقاية من النار. فقد جاء في فضل الصوم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر عن ربه -سبحانه-: يقول الله -عز وجل-: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
[رواه البخاري، حديث صحيح].
والصوم ستر ووقاية من النار، لأنه إمتناع عن الشهوات.
ومن أنواع صيام النفل المستحب: صيام يوم وإفطار يوم (صيام داود عليه السلام)، صيام الأيام البيض (13، 14، 15 من كل شهر قمري)، صيام ستة أيام من شوال، صيام يومي الاثنين والخميس، صيام شهر المحرم، الإكثار من صيام شعبان، صيام يوم عاشوراء، وصيام التسع الأوائل من ذي الحجة بما في ذلك يوم عرفة.
صوم النفل فرصة لا تعوض، فاغتنموها.
القسم الثاني
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. يا عباد الله، إن في أيام صيام التطوع نفحات ورحمات.
فاستغلوا هذه الأيام المباركة بالصيام والقيام والدعاء والاستغفار.
تذكروا قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[الأحزاب: 56]. فصلوا وسلموا على نبينا محمد.
الدعاء
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان. اللهم أعنا على صيام النفل وتقبله منا يا رب العالمين. اللهم أصلح شباب وفتيات المسلمين، وردنا إليك رداً جميلاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المصادر
- سورة الرعد، آية: 11
- ابن القيم، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، الرياض: مكتبة المعارف، جزء 1، صفحة 4.
- سورة النساء، آية: 1
- سورة آل عمران، آية: 102
- رواه أحمد النسائي، في سنن النسائي، عن أبو هريرة، حديث صحيح.
- محمد الشنقيطي، شرح سنن النسائي، جزء 4، صفحة 1044.
- رواه محمد البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، حديث صحيح.
- رواه محمد البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو سعيد الخدري، حديث صحيح.
- رواه محمد البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، حديث صحيح.
- محمود العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بيروت: دار إحياء التراث العربي، جزء 10، صفحة 257.
- خالد الجريسي، الصوم جنة، صفحة 43 44 45، جزء 1.
- سورة الأحزاب، آية: 56
- رواه سليمان السجستاني، في سنن ابي داود، عن معاذ بن جبل، حديث صحيح.