فضائل الأخلاق الحميدة وأثرها

تمهيد

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهداه إلى سبيل الرشاد، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا. الحمد لله الذي أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. نحمده سبحانه على جزيل النعم وعظيم الآلاء، ونشكره على ما أولانا من الفضل والإحسان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من دعا إلى مكارم الأخلاق، وأتمها. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

دعوة إلى تقوى الله

أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي جماع الخير ومنبع الفلاح. تقوى الله هي سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، وهي وصية الله للأولين والآخرين. اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا بدينكم، واعملوا صالحاً، تفوزوا برضا الله وجنته. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ).

الوقفة الأولى

أيها الإخوة الكرام، إنّ الأخلاق الحسنة هي جوهر الدين الإسلامي الحنيف، وهي أساس بناء المجتمعات الفاضلة. لقد حثّ الإسلام على التخلّق بأحسن الأخلاق، وجعلها من أهمّ مقوّمات الإيمان. بعث الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، ويهدي الناس إلى أفضل السبل وأقومها. وقد وصفه الله تعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

لقد تجسدت مكارم الأخلاق في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قدوة حسنة للمسلمين في أقواله وأفعاله. حتى أن أعداءه شهدوا له بحسن الخلق، وأمانته، وصدقه. فعندما رأى ثمامة بن أثال، وهو سيد بني حنيفة، أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وكرمه، وحسن معاملته، قال: (يا مُحَمَّدُ، واللَّهِ ما كانَ علَى الأرْضِ وجْهٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِن وجْهِكَ، فقَدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبْغَضُ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلَادِ إلَيَّ).

يا عباد الله، إنّ الأخلاق الحسنة هي سبيل المحبة والألفة بين الناس، وهي سبب لتقوية الروابط الاجتماعية. فلنحرص جميعاً على التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع تعاملاتنا. ففي هذا الزمان، نحن بأمس الحاجة إلى التمسك بأخلاق الإسلام، ونشرها بين الناس. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكْمَلُ المؤمنين إيمانًا أَحْسَنُهم خلقًا).

إنّ حسن الخلق يرفع صاحبه إلى أعلى الدرجات في الجنة، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الجنة، فأجاب: أنه تقوى الله وحُسن الخُلق. بل إنّ الإنسان بأخلاقه يبلغ درجة الصائم القائم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ).

ومن أعظم فضائل الأخلاق؛ أنّ صاحب الخلق أحب الناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأقرب الناس منزلةً منه يوم القيامة. فالمفلس الحقيقي يوم القيامة هو من يأتي وليس معه رصيدٌ من الأخلاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ).

أيها المسلمون، من مكارم الأخلاق؛ إفشاء السلام، والتبسم في وجوه الآخرين، واللين في التعامل، والإحسان إلى الجار، وصلة الرحم، وإكرام الضيف، والعفو عند المقدرة، وكظم الغيظ، والصبر على الأذى، وغيرها الكثير من الأخلاق الفاضلة. فالأخلاق الكريمة؛ هي شريعة جميع الأنبياء والمُرسلين، وجاؤوا لعلاج ما فسد من فطرة الناس وأخلاقهم، فبالأخلاق ترقى الأُمم، وتتفوق على غيرها من الحضارات، ففساد الأخلاق طريقٌ لانتشار الخوف في المُجتمع، وضياع الأموال، وهتك الأعراض، وفي مكارم الأخلاق؛ انتشارٌ للأمن والخير، وحُصول الرخاء في المُجتمعات.

ومن مكارم الأخلاق التي حثنا الإسلام على التحلي بها؛ وعي المُسلم بحقوق إخوانه المُسلمين، وهي الواردة في قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-:(حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وعِيَادَةُ المَرِيضِ، واتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وإجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وتَشْمِيتُ العَاطِسِ). بالإضافة إلى كف الأذى عنهم، وإخراج ما قُلوبنا من حسدٍ وغلٍ عليهم، وحُب الخير لهم، كما أننا نسعى إلى التعاون على البر والتقوى.

وأولى الناس بهذه الأخلاق والمُعاملة الحسنة من الإنسان؛ هُم أهل بيته، فقد أخبر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن خيارنا من كان خيراً مع أهله، كما نحرص على أخلاقنا مع أبنائنا وصغارنا؛ فقد كان الحسن والحُسين -رضي الله عنهُما- يركبان على ظهر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وهو يُصلي فيُطيل السجود، فنحرص على رعاية أطفالنا ومُلاطفتهم، وحُسن رعايتهم، ومُمازحتهم.

والأخلاق في ديننا أكثر من أن تُعدُ أو تُحصى، ولكن بعض العُلماء أرجعها إلى أربعة أُصول؛ وهي: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل، فبالصبر؛ يكون احتمال الآخرين، وكظم الغيظ، وإماطة الأذى، والرفق، وبالعفة؛ ابتعادٌ عن الرذائل والقبائح، سواءٌ أكان في القول أو الفعل، وبالشجاعة؛ تكون عزة النفس، والتخلّق بمعالي الأخلاق، وإنّ العدل يحمل صاحبه على اعتدال أخلاقه وتوسطه بين طرفي الإفراط والتفريط، فلا يسرف ولا يقتر، ولا يجبن ولا يتهور، ولا يغضب ولا يهان.

الوقفة الثانية

أيها المؤمنون، إن الأخلاق هي عنوان الفرد والمجتمع، وبها تسمو النفوس وتزدهر الحضارات. فلنحرص على أن نكون قدوة حسنة لغيرنا في أخلاقنا وتعاملنا، ولنجعل من بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا منابر لنشر الخير والفضيلة.

إنّ الأخلاق طريقُنا إلى إشاعة المحبة والأُلفة بين أفراد المُجتمع المُسلم، من خلال تعامُلنا مع بعضنا، وتعميق روابط الأُخوة بيننا، فنُريد أن نكسب قُلوب الآخرين بأخلاقنا، وليس بتنازُلنا عن مبادئنا وأهدافنا، فالله يُحب معالي الأخلاق، ويُبغض سفسافها، وفي التعامل الحسن تطبيقٌ لتعاليم وشريعة ديننا، فقد جاء في وصايا النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-؛ أن نُخالق الناس بُخلقٍ حسن؛ لأن الأخلاق السيئة مُنفرةٌ للغير، قال -تعالى-:(وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).

فالأخلاق من أفضل الأعمال التي دعا إليها الشرع الحنيف، بل ورغب بها، وأن أكثر ما يُبغضه الله -تعالى- صاحب الخُلق السيء، لقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-:(ما شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حسَنٍ، فإنَّ اللَّهَ -تعالى- ليُبغِضُ الفاحشَ البَذيءَ)، فحُسن الخُلق يشمل تعامل الإنسان مع ربه، ومع جميع الناس، سواءً في الأقوال والأفعال، فالله -تعالى- أمرنا بالقول والفعل الحسن مع الناس، فقد قال -تعالى-:(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا).

عباد الله،إنّ الأخلاق الحسنة تُصلح ما بين العبد وبين الخلق، وهي طريقٌ لكمال الإيمان، وذكر بعض أهل السلف: أن حُسن الخُلق قسمان، الأول: مع الله -تعالى-؛ وثانيها؛ مع الناس؛ ويكون من خلال بذل المعروف لهم، وكف الأذى عنهم، وقُدوتثنا في ذلك نبيُنا مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- الذي كان أعظم الناس خُلقاً، فقد كان حسن الخُلق مع الناس على اختلاف أصنافهم، فقد كان حسن الخُلق؛ مع نسائه، وخادمه، وجاء عن عبد الله بن المُبارك: أن حسن الخُلق يكون بطلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى، واحتمال أذاهم.

اعلموا أن دينكم كُله خلق، فمن زاد عليكم في الخُلق فقد زاد عليكم في الدين، فالنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- حدد لنا الغاية الأولى من بعثته ودعوته؛ وهي ليُتمم مكارم الأخلاق، ومن التزم بها فاز بخيري الدُنيا والآخرة، ونال الدرجات العالية يوم القيامة، ولما سُئل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عن البر، فقال: هو حُسن الخُلق، واعلموا أنّ حُسن الخُلق يعتمد على الفعل والترك، بفعل الخير للناس، وترك ما يتأذون به أو يسوؤهم.

الدعاء

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. اللهم جملنا بأحسن الأخلاق وأعنا على الإحسان إلى الآخرين، واجعلنا من عبادك الصالحين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين. اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
سُبحانك رب العزة عمّا يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصادر

  • القرآن الكريم
  • صحيح البخاري
  • صحيح مسلم
  • سنن أبي داود
  • سنن الترمذي
Exit mobile version