فهرس المقال
مقدمة
تعتبر الحقبة الأموية صفحة بارزة في تاريخ الحضارة الإسلامية، حيث شهدت تحولات سياسية واجتماعية عميقة. وقد ازدهرت في هذه الفترة فنون اللغة والأدب، وبرزت كوكبة من الخطباء الذين أثروا في مجتمعاتهم بفصاحة ألسنتهم وقوة حججهم. هذا العصر تميز بغنى لغوي فريد، أدى إلى ظهور جيل من المتحدثين البارعين الذين كان لهم تأثير كبير في الأحداث والمواقف المختلفة.
الحجاج بن يوسف الثقفي: نموذج للفصاحة والقوة
كان الحجاج بن يوسف الثقفي شخصية محورية في العصر الأموي، اشتهر بكونه قائداً عسكرياً وسياسياً بارزاً، بالإضافة إلى مهاراته الخطابية الفائقة. جمع الحجاج بين صلابة القيادة وقوة الكلمة، واستخدم بلاغته في تثبيت سلطة الدولة الأموية. تجلى دوره الخطابي بشكل خاص خلال الثورة التي اندلعت في العراق ضد حكم عبد الملك بن مروان.
عندما أرسله عبد الملك بن مروان إلى الكوفة، ألقى الحجاج خطبة شهيرة تعكس شخصيته القوية والحازمة. ومما قاله في بداية خطبته:
“أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى اضع العمامة تعرفوني”
وتابع في خطبته قائلاً:
“(أما والله إني لأاحمل الشر واحذره بنعله وأجزيه بمثله، أما والله إني لأرى رؤوساً قد اينعت وحان قطافها وكأني أرى الدماء بين العمائم واللحى)”
تعكس هذه الكلمات قوة شخصيته وقدرته على التأثير في الجماهير.
الأحنف بن قيس التميمي: الحكمة والاعتدال في الخطاب
الأحنف بن قيس، سيد بني تميم، يُعد من أبرز خطباء العصر الأموي. اتصف بالحلم والعلم، وكان له تأثير كبير في قومه. أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان الأحنف بليغاً مؤثراً، وقد وصل إلى المدينة المنورة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
كان الأحنف مسموع الكلمة في قومه، وبرز ذلك في موقفه خلال وقعة الجمل. فقد حث قومه على الحياد في الخصومة التي نشبت بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير رضي الله عنهما. واستجابة لخطبته، امتنع أربعة آلاف مقاتل من قومه عن المشاركة في القتال.
يُذكر أن خطبته أثمرت حقناً للدماء وتجنباً للفتنة، مما يدل على حكمته ورجاحة عقله.
صعصعة بن صوحان: البلاغة والفصاحة
صعصعة بن صوحان أسلم في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو صغير، إلا أنه لم يره بسبب صغر سنه. انتقل مع قبيلته إلى الكوفة، حيث نشأ وترعرع، وتلقى علوم الشريعة والأدب. هذا جعله من الخطباء المتميزين والمشهورين في عصره. اشتهر صعصعة بجزالة ألفاظه، وفصاحة بيانه، وقوة حجته، وأصبح مضرب المثل في الخطابة.
كان صعصعة من كبار سادات قيس ومن أبرز رجالاتها، وشهد له الجميع بالقدرة على التأثير والإقناع.
أسماء لامعة في سماء الخطابة الأموية
بالإضافة إلى الأسماء السابقة، برز العديد من الخطباء الآخرين في العصر الأموي، الذين أثروا الحياة الفكرية والسياسية بأقوالهم وخطبهم. من بين هؤلاء الخطباء:
- عمرو بن الأهتم
- عبدالله بن الأهتم
- سعيد بن العاص
- يزيد بن أبان الرقاشي
- القصاص المجيدين
- الفضل بن العيسى
- عمرو بن عبيد
- عبدالصمد بن الفضل
- معاوية بن أبي سفيان
- عتبة بن أبي سفيان
- سليمان بن عبدالملك
- عمرو بن سعيد الأشدق
- خالد عبدالله القسري
- عبيدة بن هلال اليشقري
- قتيبة بن مسلم
خلاصة
لقد كان العصر الأموي فترة ذهبية في تاريخ الخطابة العربية، حيث برزت أسماء لامعة تركت بصمات واضحة في الفكر والسياسة. تنوعت أساليب الخطباء بين القوة والحكمة والبلاغة، مما أثرى الحياة الثقافية والاجتماعية في تلك الحقبة. وتبقى خطبهم وأقوالهم مصدر إلهام للأجيال اللاحقة.