مقدمة
إن صيام ستة أيام من شهر شوال المبارك يعتبر فرصة عظيمة للمسلمين بعد انقضاء شهر رمضان الفضيل. هذه الأيام تمثل إضافة جليلة للأجر والثواب، وتأتي كتكملة لما قد يكون شاب صيام رمضان من نقص. وفي هذا المقال، سنتناول بالتفصيل الأحكام المتعلقة بصيام هذه الأيام الستة، بدءًا من الرأي الشرعي فيها، مرورًا بوقت أدائها، وصولًا إلى أحكام قطع الصيام وفضلها العظيم.
الرأي الشرعي في صيام الست من شوال
يرى جمهور العلماء أن صيام الست من شوال سنة مستحبة، مستندين في ذلك إلى الحديث النبوي الشريف:
“مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ”
[رواه مسلم]
بينما ذهب المالكية إلى كراهة صيامها، معللين ذلك بأنه لم يكن من عمل السلف من أهل المدينة، وقد يؤدي إلى اعتقاد البعض بوجوب صيامها، وبالتالي تُكره في هذه الحالة فقط، أما في غيرها فلا كراهة.
الموعد المناسب لصيام الست من شوال
يُستحب البدء بصيام الست من شوال مباشرة بعد يوم العيد، مع التتابع في صيامها، وهذا هو المذهب المعتمد عند جمهور الفقهاء من الشافعية والحنفية والحنابلة، وذلك لما فيه من المسارعة إلى الخيرات واغتنام الأوقات الفاضلة. ومع ذلك، لا يلزم المسلم بالضرورة التقيد بهذا الترتيب، فله أن يصومها بعد العيد بيوم أو أيام، سواء كانت متتالية أو متفرقة، حسب استطاعته وظروفه.
حكم إبطال صيام الست من شوال
اختلف الفقهاء في حكم قطع صوم التطوع بعد البدء فيه على رأيين:
-
الشافعية والحنابلة: يرون جواز القطع، لكن مع الكراهة لغير عذر صحيح، واستدلوا على ذلك بأن القطع فيه تفويت للأجر، واستدلوا على الجواز بحديث جويرية -رضي الله عنها-:
“أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا يَومَ الجُمُعَةِ وهي صَائِمَةٌ، فَقالَ: أصُمْتِ أمْسِ؟، قالَتْ: لَا، قالَ: تُرِيدِينَ أنْ تَصُومِي غَدًا؟ قالَتْ: لَا، قالَ: فأفْطِرِي”
[رواه البخاري]
-
الحنفية والمالكية: يرون حرمة القطع، ولزوم القضاء، واستدلوا بقوله تعالى:
“ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ”
[سورة البقرة: 187]
إذ يرون أن الآية عامة تشمل صيام الفرض والتطوع، وبالتالي يجب إتمام الصوم، فإن قطعه وجب عليه قضاؤه.
أهمية صيام الست من شوال
إن صيام الست من شوال له فضل عظيم وأجر كبير، وقد بين ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله:
“مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ”
[رواه مسلم]
أي أن صيامها يعدل صيام سنة كاملة، بالإضافة إلى أن صيامها يعوض النقص الذي قد يحصل في صيام رمضان، كما جاء في الحديث:
“فإنِ انتقصَ من فريضتهِ شيءٌ قال الربُّ تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوُّعٍ فيُكمَّلُ بها ما انتُقِصَ من الفريضةِ”
[رواه ابن حجر العسقلاني في تخريج مشكاة المصابيح]
هل الأفضل تقديم صيام الست أم قضاء رمضان؟
اختلف العلماء في هذه المسألة، وتلخصت آراؤهم فيما يلي:
-
القول بالجواز: وهو مذهب الحنفية، وقول عند الإمام أحمد، واستدلوا بما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-:
“كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ”
[رواه البخاري]
ويرون أنه من المستبعد أن تهمل عائشة -رضي الله عنها- صيام التطوع، ومنه الست من شوال، فدل ذلك على جواز تقديم التطوع على قضاء الواجب.
- القول بالجواز مع الكراهة: وهو مذهب المالكية والشافعية، ويرون الجواز استنادًا إلى ما سبق، أما الكراهة فلأن تقديم التطوع على قضاء الواجب يؤدي إلى تأخير الواجب.
-
القول بالتحريم: وهو مذهب الحنابلة، حيث يرون عدم صحة تقديم صيام الست من شوال على قضاء الواجب، واستدلوا بالحديث:
“مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ”
[رواه مسلم]ويرون أن من قدم الست على القضاء لا ينطبق عليه الأجر الوارد في الحديث، لأنه صام بعض رمضان وليس كله.
كما تعددت آراء الفقهاء في ثبوت الأجر الوارد في الحديث لمن قدم صيام الست من شوال على القضاء، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الثواب لا يحصل ما لم يتم صيام رمضان، بينما يرى المالكية أن الثواب يحصل حتى لو صام ستًا من غير شوال، وأن تحديدها في شوال هو من باب التخفيف لا التخصيص.
الجمع بين نية القضاء والست من شوال
الجمع بين عبادتين بنية واحدة لا يصح إذا كانت كل عبادة منهما مقصودة لذاتها، وعليه فلا يصح الجمع بين صيام القضاء والست من شوال بنية واحدة، لأن القضاء عبادة مقصودة لذاتها كصيام الست من شوال، أما من صام في شوال بنية القضاء وصام ستة أيام أو أكثر، فيرجى أن يحصل له الأجر والثواب بصيامها في شوال، إلا أن ثواب من خصص صيام ست من شوال تطوعًا أعظم وأكبر.
صيام الست من شوال إذا وافق يوم الجمعة أو السبت
إذا وافق يوم الجمعة
اتفق الفقهاء على جواز صيام يوم الجمعة تطوعًا إذا وافق يوم عرفة أو عاشوراء، أو صام يومًا قبله أو بعده، أو وافق عادة للصائم، أما إفراد يوم الجمعة بالصيام في غير ما سبق فقد اختلف فيه الفقهاء على قولين:
-
الشافعية والحنابلة: قالوا بكراهة إفراد يوم الجمعة بالصيام، واستدلوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ، إلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ”
[رواه البخاري] -
الحنفية والمالكية: قالوا بجواز إفراد يوم الجمعة بالصيام مع استحباب صومه، واستدلوا بما رواه ابن حبان عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال:
“كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُ مِن غُرَّةِ كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ وقلَّما يُفطِرُ يومَ الجمعةِ”
[رواه ابن حبان]
إذا وافق يوم السبت
اتفق جمهور الفقهاء على كراهة إفراد يوم السبت بالصيام إلا إذا صام يومًا قبله أو بعده، واستدلوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“لا تصوموا يومَ السبتِ، إلا فيما افتُرِضَ عليكم”
[رواه الترمذي]
فالنهي صريح عن إفراده بالصوم، ويُحمل على الكراهة لا التحريم، إذ إن السنة دلت على جواز صيام يوم السبت إذا ضُم إليه غيره، وأجاز بعض أهل العلم إفراد يوم السبت بالصيام، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختاره الإمام ابن حجر وابن تيمية، واستدلوا بأدلة عدة، منها: ما روته أم سلمة -رضي الله عنها- قالت:
“كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يصومُ يومَ السَّبتِ ويومَ الأحدِ أكثَرَ ممَّا يصومُ في الأيَّامِ، ويقول: إنَّهما عِيدَا المُشرِكينَ؛ فأنَا أُحِبُّ أنْ أُخالِفَهم”
[رواه محمد ابن عبد الوهاب]
وقالوا: من المحتمل أن النبي -عليه السلام- كان يفرده بالصوم، كما يحتمل أنه كان يصوم الأحد معه، ولا دليل على ترجيح أحد الاحتمالين.