عِبر و دلالات من حكاية أصحاب الأخدود

استخلاص العبر والفوائد من حكاية أصحاب الأخدود. نظرات إيمانية من قصة أصحاب الأخدود. رسائل موجهة إلى الحكام المستبدين من قصة أصحاب الأخدود.

مقدمة

تعتبر قصة أصحاب الأخدود من القصص المؤثرة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، والتي تجسد صراع الحق والباطل، وقوة الإيمان في مواجهة الظلم والطغيان. تُظهر هذه القصة مدى الثبات الذي يمكن أن يتحلى به المؤمنون في سبيل عقيدتهم، وكيف يمكن للتضحية بالنفس أن تكون درساً للأجيال القادمة.

قصة اضطهاد المؤمنين

يحكي لنا التاريخ عن جماعة من المؤمنين تعرضوا لابتلاء عظيم، حيث قام أعداء الحق بحفر حفرة عظيمة، وملؤها بالنار، ثم ألقوا فيها المؤمنين بسبب إيمانهم بالله الواحد الأحد. لقد تجلى صبر هؤلاء المؤمنين وثباتهم على الحق في أبهى صوره، حيث فضلوا الموت حرقاً على التخلي عن عقيدتهم. وقد أصبحوا مثالاً يحتذى به في الصبر والثبات على الإيمان.

تعددت الأقوال في تحديد هوية هؤلاء المؤمنين، فقيل إنهم كانوا من أهل فارس، رفضوا الزواج بالمحارم، وقيل إنهم كانوا من بني إسرائيل. لكن الراجح عند كثير من العلماء أنهم أهل القرية التي وردت في قصة الغلام الذي تعلم السحر والإيمان من الراهب.

القصة كما وردت في صحيح مسلم، تحكي عن غلام نبيه فطن، أدرك بطلان السحر، وآمن بالحق، فصار سبباً في هداية الكثيرين. وعندما علم الملك بذلك، أمر بقتله، فدعا الغلام ربه، فاستجاب له، وأظهر الحق. وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود:

روى مسلم في صحيحه: “…فَجَاءَ بِالْغُلاَمِ فَقَالَ ‏”‏ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَاطْرَحُوهُ ‏”‏ ‏.‏ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ ‏”‏ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ‏”‏ ‏.‏ فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى ‏.‏ فَبَعَثَ بِهِ فِي سَفِينَةٍ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَإِذَا وَسَّطْتُمُ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَأَلْقُوهُ ‏”‏ ‏.‏ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ ‏”‏ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ‏”‏ ‏.‏ فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى ‏.‏ فَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي لَسْتُ بِقَاتِلِكَ حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ ‏.‏ قَالَ مَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعِ الْقَوْسَ فِي كَبِدِي ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي ‏.‏ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْسَ فِي كَبِدِهِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ ‏.‏ فَرَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فَمَاتَ فَآمَنَ النَّاسُ فَقَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ ‏.‏ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ ‏.‏ فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فَخُدَّتْ وَأُضْرِمَتْ فِيهَا النِّيرَانُ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا ‏.‏ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الصَّبِيُّ يَا أُمَّاهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ ‏”‏ ‏.

عبر مستخلصة في مجال الإيمان

تزخر قصة أصحاب الأخدود بالعديد من الدروس والعبر الإيمانية التي يمكن للمؤمن أن يستفيد منها في حياته، ومن أهم هذه الدروس:

  • التمسك بالإيمان: الثبات على الإيمان مهما كانت التحديات والصعاب، كما فعل أصحاب الأخدود الذين لم يرهبهم عذاب النار.
  • عدم التردد في الحق: المؤمن لا يتردد في نصرة الحق، ولا يتزحزح عنه مهما كانت المغريات والفتن.
  • النظر إلى العاقبة: المؤمن الحق ينظر إلى العاقبة الأخروية، ولا يغتر بالمصالح الدنيوية الزائلة.
  • بطلان السحر: السحر لا يفلح أبداً، ولا ينتصر إلا الإيمان بالله الحق.
  • تحري الحق: على الإنسان أن يبحث عن الحق ويسعى إليه، ويدعو الله أن يهديه إليه.
  • نسبة الفضل إلى الله: يجب على الإنسان أن ينسب الفضل إلى الله في كل شيء، ولا ينسبه إلى نفسه.
  • قول الحق أمام الظالم: قول كلمة الحق أمام السلطان الجائر من أفضل الأعمال عند الله.
  • التضحية في سبيل الله: التضحية بالنفس من أجل إعلاء كلمة الله والدعوة إليه من أعظم القربات.
  • إجراء المعجزات للصالحين: الله تعالى يجري المعجزات لعباده الصالحين المخلصين، ويهيئ لهم أسباب الفرج.
  • الدعاء: اللجوء إلى الدعاء في كل الأمور، فإن الله يستجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
  • عدم انتظار النتائج: ليس على الداعية أن ينتظر نتائج دعوته، بل عليه أن يدعو إلى الله سواء رأى نتائج أم لم ير.

رسائل إلى الحكام الظالمين

تبعث قصة أصحاب الأخدود برسائل قوية إلى الحكام الظالمين، وتذكرهم بعاقبة الظلم والطغيان، ومن هذه الرسائل:

  • اللعنة والغضب الرباني: الظالمون ملعونون في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾.
  • العاقبة للمتقين: الله تعالى يظهر الحق ولو بعد حين، وينصر عباده المتقين.
  • لا ينفع الظالمين ظلمهم: الظلم لا يدوم، والحق ينتصر في النهاية، وعلى الظالمين أن يعتبروا.

المصادر

  • تفسير القرآن العظيم، لابن كثير.
  • توفيق الرب المنعم بشرح صحيح مسلم، للراجحي.
  • التحرير والتنوير، لابن عاشور.
Total
0
Shares
المقال السابق

عِبر ومواعظ من معركة بدر الكبرى

المقال التالي

عِبر ومواعظ من حكاية المتخلفين عن غزوة تبوك

مقالات مشابهة