فهرس المحتويات
لزوم التوكل على الله والإيمان بقضائه
إن التوكل على الله والإيمان الراسخ به جعلا من الهجرة النبوية رحلة ممكنة، على الرغم من أن مقاييس البشر تجعلها شبه مستحيلة؛ لما احتوت عليه من أخطار جمة، منها جهل الطريق، وكثرة الأعداء، وقلة الزاد. ومع ذلك، اتخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- قرارات مصيرية، وهو متوكل على الله -تعالى-، واثق بنصره. وقد تجلى هذا التوكل في مواقف عدة:
السماح بالهجرة الأولى إلى الحبشة:
أذن النبي -عليه الصلاة والسلام- للصحابة بالهجرة إلى الحبشة، بالرغم من بعدها واختلاف أهلها في الدين، إلا أنه أذن بها متوكلاً على الله -تعالى-، وموقناً بالفرج والنصر. فقد قال -صلى الله عليه وسلم- للصحابة -رضوان الله عليهم-:
“(إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا).”
الهجرة إلى المدينة عبر طريق غير مألوف:
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مطارداً لأيام، والخطر يحيط به من كل جانب، إضافة إلى قلة الزاد، ورغم كل هذه المشاق، لم يتراجع، بل مضى في هجرته متوكلاً على ربه ومستعيناً به.
أهمية التخطيط المتقن للمؤمن الحق
يتضح جلياً من الهجرة النبوية أن هذه الخطوة لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة تخطيط دقيق، وأخذت وقتاً كافياً في الإعداد والتنفيذ. ومن مظاهر التخطيط المحكم في الهجرة النبوية:
تهيئة المدينة المنورة:
من خلال إرسال من ينشر الإسلام فيها، لتكون المدينة على أهبة الاستعداد لاستقبال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحمايته.
السماح بهجرة الصحابة قبل هجرته:
حتى لا تلفت قريش الانتباه وتمنع بقية الصحابة من اللحاق به.
اختيار الرفقة، والوقت، والطريق، والراحلة:
كل هذه الأمور تم التفكير بها ملياً قبل الخروج من مكة.
التخطيط لمعرفة أخبار قريش:
حتى بعد خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة، حيث كان عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- ينقل الأخبار؛ لأن معرفة أخبار قريش تساعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على اتخاذ القرارات الصائبة في طريق الهجرة.
تجهيز من يعرف الطريق إلى المدينة:
وهو عبد الله بن أريقط، الذي كان خبيراً بالطرق بين مكة والمدينة.
تجهيز من يمحو الأثر:
وهو عامر بن فهيرة، الذي كان يخفي آثار عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، لمنع قريش من ملاحقتهم.
ضمان استمرار توفير الطعام والشراب في الغار:
لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعلم المدة التي سيمضيها في الرحلة أو المدة التي ستستغرقها قريش في مطاردته.
تكليف امرأة، وهي أسماء بنت الصديق -رضي الله عنهما-، بمهمة نقل الطعام والشراب:
في ذلك نوع من التمويه والخداع لقريش، الذين سيستبعدون مشاركة امرأة في هذه المهمة الخطيرة.
فضل انتقاء الصاحب الوفي دليل الرشاد
على الرغم من أن جميع الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يحبون النبي -صلى الله عليه وسلم- ويفدونه بأموالهم وأنفسهم، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار الصديق ليكون رفيقه في رحلة الهجرة، وقد ظهر من الصديق مواقف عديدة تظهر صواب رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختياره، ومن هذه المواقف:
كان الصديق صاحب فطنة وذكاء، وكان يتمنى صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هجرته.
سخر الصديق نفسه وماله وأهله في التجهيز للهجرة دون أن يكشف سر هذه الرحلة.
ظهر فضل الصديق في رحلة الهجرة بقوله -تعالى-:
“(إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)”
فهو قرآن يتلى يثبت الصحبة للصديق ويظهر فضله من كلام الله -تعالى- إلى يوم القيامة. فثناء الله -تعالى- على الصديق دلالة على صواب رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختياره له.
الإتقان في تأدية المهام طريق الظفر
إن المتأمل في رحلة الهجرة النبوية يجد أنها توزعت إلى مهام مختلفة، وقسمت على عدة أشخاص، وقد قام كل واحد منهم بمهمته على أكمل وجه دون تأخير أو تقصير، وهذا الجهد الجماعي المنظم أدى إلى نجاح الهجرة النبوية، ويظهر هذا الترتيب والتنسيق فيما يلي:
مهمة التجهيز:
و كانت خاصة بالصديق -رضي الله عنه- بإعداد الراحلة والزاد.
مهمة التضحية ورد الحقوق:
قام بها الصحابي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين بات في فراش النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورد الأمانات إلى أهل مكة.
مهمة نقل الأخبار:
وقد قام بها بنجاح الصحابي الجليل عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما-.
مهمة التغطية والتمويه:
وقد قام بها عبد الله بن فهيرة حين كان يغطي بقطيع الأغنام آثار أقدام النبي والصديق في الرحلة المباركة.
مهمة التزويد بالمونة والطعام:
وكانت من نصيب أسماء بنت الصديق -رضي الله عنهما-.
مهمة اكتشاف الطريق واختيار أفضلها:
وكانت خاصة بعبد الله بن أريقط الذي أوصل الرحلة المباركة إلى المدينة بسلام.
مهمة تخذيل المطاردين للنبي من أهل مكة:
وقد قام بها الصحابي الجليل سراقة بن مالك.
مهمة تجهيز أهل المدينة لاستقبال الرحلة المباركة:
وقد قام بها الصحابي مصعب بن عمير -رضي الله عنه-.
فكما نرى لم تكن رحلة عشوائية، بل كانت عملية مدروسة يقدم كل واحد منهم دوره فيها في الوقت المناسب ثم يختفي ليبدأ دور غيره.
الرسوخ وتجاوز التحديات دعائم الوصول للهدف
كانت رحلة الهجرة رحلة جمعت صنوف الشدائد من الخوف على النفس والجوع وجهالة الطريق، وترصد الأعداء، والضعف في أي واحدة منها كان كافياً لإفشال الرحلة المباركة، فمن الصعاب التي واجهها النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه الصديق:
- الخوف من اكتشاف أهل مكة لنية النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة.
- الخوف من ملاحقة مشركي مكة لهم.
- نقص الطعام والشراب.
- الخوف من الأعداء في الطريق.
وقد صبروا جميعاً على كل هذه المخاطر حتى أتم الله -تعالى- هذه الرحلة بنجاح.
الصبر والثقة بالله مفتاح تحقيق الغايات
رحلة بهذه الأهمية لا تتم بدون صبر من النفس ويقين بالله، وقد كان الله -تعالى- قادراً على نقل نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بالبراق كما نقله إلى المسجد الأقصى، إلا أن الهجرة تتعلق بكل البشر وعليهم أن يقوموا بها في كل زمان إن احتاجوا إليها.
لذا تمت بمقاييس البشر، وتمت بدرجة عالية من الخطورة، لتكون هجرة النبي -صلى الله عليه- وسلم قدوة لكل من يأتي بعده، لذا احتاجت إلى صبر قوي، ومن المسائل التي صبر عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- والصديق:
- الصبر على فراق الأهل والمال.
- الصبر على فراق البلاد.
- الصبر على الجوع والخوف.
وقد ظهر يقينهم بالله -تعالى- في كل الرحلة وبعدة مواقف مثل:
- اليقين بالنجاة والخروج من بين من أحاطوا بمنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة.
- يقين النبي -صلى الله عليه وسلم- بسلامة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من إيذاء قريش له.
- اليقين بالنجاة ممن أحاط بالغار من أهل مكة.
- يقينهم بأن الله -تعالى- سوف ينصرهم على الرغم من ذهابهم إلى بلاد جديدة وأناس جدد لم يسبق وأن التقوا بهم.
إسهام المرأة الصالحة في نشر الرسالة
على الرغم من خطورة رحلة الهجرة النبوية إلا أن المرأة كان لها دور مهم في الهجرة، وقد ظهر دور المرأة في الهجرة النبوية فيما يلي:
- حرص أسماء بنت الصديق -رضي الله عنهما- على طمأنة جدها بأن والدها -رضي الله عنه- قد ترك لهم مالاً وفيراً.
- دور أسماء بنت الصديق -رضي الله عنهما- في إيصال الطعام إلى الغار.
- دور أم معبد على الرغم أنها كانت خارج خطة الهجرة إلا أنها زودت النبي -صلى الله عليه وسلم- والصديق -رضي الله عنه- بالحليب ليستعينوا به في هجرتهم، وكتمت أمرهم.