عقد الرهن في الشريعة الإسلامية: نظرة تفصيلية

نظرة شاملة حول عقد الرهن في الشريعة الإسلامية: تعريفه، حكمته، أحكامه، وأنواعه، مع التركيز على الرهن العقاري وشروطه.

العقود في الشريعة الإسلامية

لقد جاءت الشريعة الإسلامية لتنظيم حياة الناس في مختلف جوانبها، سواء كانت عبادات، سلوكيات، أو معاملات. تشمل المعاملات الجانب المالي وما يتعلق به من بيع، إيجار، شركة، وغيرها من أنواع الاتفاقيات. أولى الإسلام أهمية كبيرة للعقود لحماية حقوق الناس وضمان عدم ضياعها. وقد ورد الأمر بالوفاء بالعقود والالتزام بها في مواضع متعددة، منها قول الله تعالى في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ﴾.

تصنف العقود في الشريعة الإسلامية إلى أربعة أنواع رئيسية: عقود المعاوضات (مثل البيع والإيجار)، وعقود المشاركات (بما في ذلك أنواع الشركات المختلفة)، وعقود التبرعات (مثل الهبة والوصية)، وعقود التوثيقات (بما فيها الكفالة والرهن). سنتناول في هذا المقال عقد الرهن، تعريفه، نوع من أنواعه وهو الرهن العقاري، بالإضافة إلى توضيح الحكمة من تشريعه وحكمه الشرعي.

تعريف الرهن

الرهن لغةً: الرهن في اللغة يدل على الثبات والدوام. وكل شيء يُحتجز بسبب شيء آخر فهو رهينة له.

الرهن في الاصطلاح الشرعي: هو جعل عين مالية ضمانًا لدين، بحيث يتم استيفاء الدين من هذه العين أو من ثمنها إذا تعذر الوفاء به. وهو جائز بإجماع الفقهاء. استدلوا على جوازه بقول الله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.

كما استدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي. روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على أصحابِه ذاتَ يومٍ وفي يدِه قطعةٌ من ذهبٍ فقال يا عبدَ اللهِ بنَ عمرو ما كان محمدٌ قائلًا لربِّه لو مات وهذه عنده ثم قسمها قبل أن يقومَ ثم قال ما يسُرُّني أنَّ لآلِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مثلَ هذا الجبلِ وأشار إلى الجبلِ وأني متُّ وتركت منه دينارَين، قال ابنُ عباسٍ فقبض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يوم قُبض فلم يدعْ دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمةً وترك درعَه مرهونةً بثلاثين صاعًا من شعيرٍ كان يأكل منه ويُطعِم عيالَه عند رجلٍ من اليهودِ).

الحكمة من إباحة الرهن

شرع الله تعالى الرهن كأحد عقود التوثيقات للدُيون لتحقيق حكمة بالغة، تتجلى في الآتي:

  • حماية حقوق الدائنين: يضمن الرهن للدائن حقه في استيفاء الدين من قيمة المرهون في حال عجز المدين عن السداد، مما يقلل من احتمالية ضياع الحقوق.
  • تيسير المعاملات المالية: يشجع الرهن على الإقراض والمداينة، حيث يطمئن الدائن إلى استعادة ماله، مما يساهم في تلبية حاجات الناس وتيسير أمورهم المالية.

الرهن العقاري وأحكامه

العقار هو كل شيء ثابت لا يمكن نقله، مثل الأرض والبيوت والمباني. أما الرهن العقاري فهو جعل العقار ضمانًا للدين عند الدائن، بحيث يستوفي حقه من هذا العقار في حال عجز المدين عن السداد.

اتفق الفقهاء على جواز الرهن العقاري، بناءً على أن كل ما جاز بيعه جاز رهنه. فالغاية من الرهن هي توثيق الدين وحفظ حق الدائن، وهذه الغاية تتحقق سواء كان المرهون عقارًا أو منقولاً. كما أن جواز الرهن في القرآن الكريم جاء مطلقًا، في قول الله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ﴾.

ضوابط صحة عقد الرهن

هناك شروط يجب توافرها في عقد الرهن، وهي:

  • الصيغة: وهي الإيجاب والقبول من الطرفين، ويكتفى بكل ما يدل على الرضا عند جمهور الفقهاء.
  • العاقدان: وهما الدائن والمدين، ويشترط فيهما العقل والبلوغ.
  • المرهون: وهو المال (منقول أو عقار) الذي يقدم كضمان للدين.
  • المرهون فيه: وهو الدين الذي يضمنه الرهن.

المراجع

  • سورة المائدة، آية:1.
  • ابن فارس (2002)،مقاييس اللغة، دمشق: دار اتحاد الكتاب العرب، صفحة 375، جزء 2. بتصرّف.
  • ابن منظور (1414هـ)،لسان العرب(الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 190، جزء 13. بتصرّف.
  • سورة المدثر، آية: 38.
  • الفيومي،المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، بيروت: المكتبة العلمية، صفحة 242، جزء 1. بتصرّف.
  • سورة البقرة، آية: 283.
  • رواه ابن جرير الطبري، في مسند ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: جزء1، صفحة 239، إسناده صحيح.
  • مجموعة من العلماء،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 175-190، جزء 23. بتصرّف.
  • محمد صالح المنجد،موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 4881. بتصرّف.
  • مجموعة من العلماء،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصَّفوة، صفحة 186-196، جزء 30. بتصرّف.
  • سورة البقرة، آية: 283.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

الرأي الشرعي في استخدام الرموش الاصطناعية

المقال التالي

النظر الشرعي في الرياء

مقالات مشابهة