عبد الله البردوني: قامة الشعر اليمني الحديث

تعرف على حياة الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني: نشأته، مسيرته الأدبية، أهم مؤلفاته الفكرية ودواوينه الشعرية، بالإضافة إلى مقتطفات من قصائده الشهيرة.

مقدمة

يعتبر الشاعر اليمني عبد الله البردوني أحد أبرز الأصوات الشعرية في القرن العشرين. تميز شعره بالعمق الفكري واللغة الغنية، مما جعله رمزاً من رموز الأدب العربي الحديث. سنستعرض في هذا المقال جوانب مختلفة من حياة البردوني ومسيرته الأدبية.

بدايات حياته

ولد عبد الله بن صالح البردوني في عام 1929 بقرية البردون التابعة لمحافظة ذمار في اليمن. نشأ في كنف أسرة فلاحية بسيطة لم تكن ذات صلة بالعلم والأدب بشكل مباشر. توفي رحمه الله في عام 1999 بعد مسيرة أدبية حافلة، تاركاً بصمة لا تمحى في عالم الشعر والأدب. يعتبر البردوني من أهم شعراء العصر الحديث.

حياة مليئة بالتجارب

عاش البردوني حياة زاخرة بالتجارب والمنعطفات التي أثرت بشكل كبير في تكوينه الفكري والشخصي. منذ طفولته المبكرة، واجه تحديات كبيرة، أبرزها فقدانه بصره بسبب مرض الجدري. هذا الحدث كان له وقع خاص عليه، خاصة وأن مجتمعه كان يولي اهتماماً كبيراً بالشخص “الكامل”. إلا أن هذا التحدي لم يثنه، بل دفعه نحو العلم والمعرفة.

إدراكه لأهمية العلم والمعرفة دفعه إلى التغلب على الصعاب المحيطة به. سعى جاهداً للتعلم والتفوق، ليثبت ذاته ومكانته في المجتمع. استطاع أن يحول العمى إلى دافع للإبداع والتميز. تقديراً لإنجازاته وتحديه للإعاقة، أصدرت الأمم المتحدة في عام 1982 عملة فضية تحمل صورته كرمز للمعاق الذي تجاوز إعاقته.

في عام 1948، سجن البردوني لمدة تسعة أشهر بسبب تحريضه على الثورة ضد الاحتلال البريطاني. بعد خروجه من السجن في عام 1949، انتقل إلى صنعاء حيث واجه صعوبات جمة في بداية حياته. لاحقاً، تبنته مدرسة “دار العلوم” وعُيّن أستاذاً للغة العربية وآدابها فيها.

تلقى البردوني علومًا شرعية على يد علماء الجامع الكبير، وعُيّن مشرفًا على البرامج الثقافية في الإذاعة نظرًا لقدراته اللغوية المتميزة. وفي عام 1960، تعرض للسجن مرة أخرى بسبب انتقاده للسلطة الحاكمة في خطبة ألقاها في عيد الفطر، مما يؤكد على دوره كناقد ومناضل بالكلمة.

كان لليمن والأمة العربية مكانة خاصة في أشعاره، حيث شكلت الهموم العربية واليمنية المادة الأساسية لمعظم أعماله الشعرية والفكرية. توفي البردوني في الثلاثين من أغسطس عام 1999، مخلفًا وراءه إرثًا ثقافيًا ضخمًا يعكس رؤيته الفلسفية العميقة.

البردوني شاعراً

يعتبر البردوني أحد أبرز شعراء العربية المحدثين، اشتهر بقدرته على التجديد في الشعر. تجديده تمثل في قدرته الفائقة على دمج العناصر الأدبية والفنية المتنوعة في شعره، مما جعله غنيًا بالاستطرادات المستمدة من مصادر مختلفة.

استلهم البردوني من الحكايات والأساطير الشعبية والأمثال، ليولد معاني جديدة من رحم المعاني القديمة. كان يرصف دروب الاستماع والقراءة بقواعد لغوية فريدة، واستطاع أن ينهض بمفرداته الشعرية نحو آفاق الحداثة.

من قصائده الشهيرة قصيدة “وحدي هنا”:

وحدي هنا يا ليل وحدي:::ما بين آلامي وسهدي
وحدي وأموات المنى:::والذكريات السود عندي
كأنّ أشباح الدجى:::حولي أماني مستبدّة
        

على الرغم من التزامه بنظام الشطرين في شعره، إلا أن لغته الشعرية كانت زاخرة بالألفاظ الغزيرة التي استمدها من ذاكرته الواسعة ومعارفه العميقة. كتب البردوني مجموعة من القصائد التي تحاكي التاريخ والسير والحكايات الشعبية، ممزوجة بالشعر والنثر.

كما في قصيدته “يداها”:

مثلما يبتدئ البيت المقفّى:
رحلة غيميّة تبدو وتخفى:
مثلما يلمس منقار السنا:
سحرًا أرعش عينيه وأغفى:
هكذا أحسّو يديك إصبعًا:
إصبعًا أطمع لو جاوزن ألفا
        

شكلت قصائده السردية قيمة كبيرة في الشعر العربي، حيث كانت تستقرئ الحاضر من خلال الإسقاط التاريخي. كان البعد الحكائي في شعره يقترب من المسرح الشعري، مع لمحة درامية واسعة تمنح النص الشعري فضاءً سرديًا واضح المعالم.

مؤلفاته الفكرية

لم يقتصر إنتاج عبد الله البردوني على الشعر فقط، بل ترك وراءه مؤلفات فكرية قيمة، منها:

  • اليمن الجمهوري: كتاب سياسي صدر عام 1983، يتناول تاريخ اليمن السياسي.
  • رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه: كتاب أدبي صدر عام 1978، يستعرض تطور الشعر اليمني منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث.
  • الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية: كتاب صدر عام 1996، يتناول دراسة الثقافة الشعبية اليمنية وكيفية وصول الشعب اليمني إلى هذا المستوى من الحكمة.

دواوينه الشعرية

أثرى البردوني المكتبة العربية بالعديد من الدواوين الشعرية، منها:

  • من أرض بلقيس: يضم حوالي 60 قصيدة، ويعتبر من أوائل دواوين البردوني، يتناول موضوعات مختلفة.
  • في طريق الفجر: ديوانه الثاني، يضم حوالي 50 قصيدة، يتميز بتنوع موضوعاته.
  • وجوه دخانية في مرايا الليل: من دواوينه المتأخرة، يميل نحو الذاتية والحديث عن الذات.

نماذج من قصائده

من أشهر قصائد البردوني:

قصيدة من أرض بلقيس:

من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر
من جوها هذه الأنسام والسحرُ
من صدرها هذه الآهات، من فمها
هذي اللحون ومن تاريخها الذكرُ
من "السعيدة" هذي الأغنيات ومن
ظلالها هذه الأطياف والصورُ
أطيافها حول مسرى خاطري زمر
من الترانيم تشدو حولها زمرُ
من خاطر "اليمن" الخضرا ومهجتها
هذي الأغاريد والأصداء والفكرُ
هذا القصيد أغانيها ودمعتها
وسحرها وصباها الأغيد النضرُ
يكاد من طول ما غنى خمائلها
يفوح من كل حرف جوها العطرُ
يكاد من كثر ما ضمته أغصنها
يرف من وجنتيها الورد والزهرُ
        

قصيدة تائه:

تائه كالجنون خلف ما لا يكون
تائه كالرج في زوايا السجون
كخيال اللّقّ حول وهم الجفون
كرياح الضّحى في صخور الحزون
كأنين الشتاء فوق صمت الغصون
كطيوف المساء في متاه العيون
وحده يرتمي خلف طيف الفنون
بين خفق الرؤى وضجيج السّكون
آه يا قلبه حرقتك الشجون
جفّ خمر الهوى في كؤوس اللحون
ظامي يرتوي بسراب الظنون
ماله هان أو ماله ليهون
كفنت صوته وصداه السنون
واختفى ظلّه في غبار القرون
كوعود المنى في الزمان الخؤون
        

قصيدة ليلة الذكريات:

دعيني أنَمْ لحظةً يا هموم
فقد أوشك الفجر أن يطلعا
وكاد الصّبح يشقّ الدّجى
ولم يأذن القلب أن يهجعا
دعيني دعيني أنَم غفوةً
عسى أجد الحلم الممتعا
دعيني أطل على الصّباح
وما زلتُ في أرقي موجعا
وما زال يتعبني مضجعي
ويضني تقلّبي المضجعا
الك الله يا ليلة الذّكريات
ولي ما أمرّ وما أفزعا
        
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نبذة عن الشاعر مسلم بن الوليد

المقال التالي

نبذة عن حياة الشاعر محمود غنيم

مقالات مشابهة