ضوابط تحويل الزكاة من بلد إلى آخر

تفصيل حول أحكام نقل الزكاة من مكان لآخر. متى يجوز نقلها؟ وما الحالات التي يُفضل فيها إبقاء الزكاة في مكانها الأصلي؟ شرح لمفهوم المال في الزكاة.

أصناف الأموال الزكوية ونقلها بين البلدان

اتفق علماء الفقه الإسلامي على أن زكاة بهيمة الأنعام، وكذلك المحاصيل الزراعية والثمار، يجب أن يتم توزيعها في المنطقة التي تم جبايتها منها. أما فيما يتعلق بالأموال النقدية وما شابهها، فقد تعددت الآراء حولها، حيث يمكن توزيعها في جهتين: الأولى هي المكان الذي تم فيه تحصيل المال، والثانية هي مكان إقامة مالك المال. والصحيح هو أن الزكاة تتبع المكان الذي تم فيه اكتساب المال وليس مكان إقامة المالك. وهذا ما كان يتبعه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده، وهو أيضًا ما أفتى به أئمة الفتوى من فقهاء الصحابة والتابعين.

والحكمة من ذلك هي تحقيق الاكتفاء لفقراء البلد، فإذا تم نقل الزكاة، فإن أهل البلد سيبقون على فقرهم وحاجتهم. وبالتالي، فإن بقاء الزكاة في مكانها يحقق فوائد اجتماعية عديدة، مثل تقليل الفوارق الطبقية، وتحسين مستوى المعيشة، والحد من الجرائم والمخاطر داخل المجتمع.

والدليل على ذلك هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذًا إلى اليمن أمره أن يأخذ الزكاة من أغنيائهم ويردها على فقرائهم، حيث قال رسول الله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم زَكَاةً في أمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِن غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ علَى فقِيرِهِمْ).

وقد سُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عما يؤخذ من صدقات الأعراب: كيف نصنع بها؟ فقال عمر: “والله لأَرُدَنَّ عليهم الصدقة، حتى تروح على أحدهم مائة ناقة أو مائة بعير”.

وقال أبو عبيد صاحب كتاب الأموال: “الأحاديث تثبت أن كل قوم أولى بصدقتهم حتى يستغنوا عنها. نرى استحقاقهم ذلك دون غيرهم، إنما جاءت به السنة لحرمة الجوار، وقرب دارهم من دار الأغنياء.”

حكم نقل الزكاة في حالة الاكتفاء المحلي

إذا كان من المسلم به أن الزكاة تؤخذ من أغنياء المنطقة وتُرد على فقرائها، فإنه من المتفق عليه أيضًا جواز نقل المال الذي وجبت فيه الزكاة في حال استغنى أهلها عن الزكاة كلها أو بعضها.

ودليله أن معاذ بن جبل رضي الله عنه حينما بعث بثلث الصدقة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنكر ذلك عليه بقوله: لم أبعثك جابيًا ولا آخذًا للجزية، وإنما بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدًا يأخذه مني.

أما نقل الزكاة عند عدم الاستغناء عنها من قبل أهل البلد فتعددت الآراء فيه: فمنهم من تشدد في عدم جواز نقل المال إلى بلد آخر، كالمالكية والشافعية والحنابلة، وكره ذلك الحنفية إلا إذا كانت لقرابة، لما فيها من صلةٍ للرحم.

نقل الزكاة للضرورة أو الحاجة الملحة

الحقيقة أنه إن تم نقلها إلى البعيد لتحري قرابة، أو من كان أشد حاجة، فلا بأس. أما إذا كان في بلد فيه حاجة، فقد قال الإمام مالك “فينقلها الإمام (أي؛ الحاكم) إليهم على سبيل النظر والاجتهاد”.

وقد نُقل هذا عن عمر بن الخطاب في عام الرمادة حينما كتب إلى عمر بن العاص في مصر بطلب المعونة.

توضيح مفهوم المال في الشريعة الإسلامية

المال مفهوم عام يشمل كل شيء له قيمة، سواء أكان ذلك في الذهب والفضة أم المواشي، أم في الزروع والثمار، أم في غيرها. والغاية من الزكاة جمعها من الأغنياء وإنفاقها على الفقراء، وتكمن قيمة التوزيع على أهل البلد الذي جمعت فيه الزكاة، فهي لا تحمل أبعاداً ضريبية جبائية للمسؤولين بقدر ما تحمل مفهوماً تكافلياً؛ إذ في النظام الإداري الإسلامي تقوم الدولة على تنظيمها داخل المجتمع الواحد في الإقليم.

المراجع

  • يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، صفحة 811.
  • ابن قدامة، المغني، صفحة 4-132.
  • أبو عبيد القاسم بن سلام، الاموال، صفحة 711.
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:7372، صحيح.
  • ابن أبي شيبة، المصنف، صفحة 2-422.
  • يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، صفحة 813.
  • أبو عبيد القاسم بن سلام، الاموال، صفحة 710.
  • سيد سابق، فقه السنة، صفحة 1-409.
  • وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 10-266.
  • ابن قدامة، المغني، صفحة 2-503.
  • سيد سابق، فقه السنة، صفحة 1-409.
  • ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 7-103.
  • محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 17.
  • يوسف القرضاوي، فقه الزكاة، صفحة 809.
Total
0
Shares
المقال السابق

الرأي الشرعي في حقن الشفاه

المقال التالي

إدانة جحود الإحسان: نظرة في أقوال الحكماء

مقالات مشابهة