فهرس المحتويات
أحكام الحلال والحرام
إنّ مسألة تحديد ما هو حلال وما هو حرام في الشريعة الإسلامية تعتبر من الأمور بالغة الأهمية، لما يترتب عليها من جزاء وثواب أو عقاب على الأفعال والأقوال والتصرفات. ويؤكد أهل العلم والاختصاص في الفتوى على أن الأحكام الشرعية يجب أن تصدر من أهل العلم والاختصاص، فهم الأقدر على فهم النصوص وتطبيقها. ولا يجوز تحريم أي فعل إلا بدليل قاطع من مصادر التشريع الإسلامي المعتمدة، حتى يأخذ الحكم منزلته الصحيحة في باب التحريم. والأصل في جميع تصرفات الإنسان هو الإباحة ما لم يرد نص شرعي يحرمها. والسؤال المتكرر حول الاستماع إلى الأغاني يستدعي البحث المعمق في النصوص الشرعية ودلالاتها، وقد بحث العلماء هذا الأمر بتفصيل، نظراً لتعدد جوانب السماع وتنوعها، وتأثير الظروف المحيطة وطبيعة الغناء على الحكم بجوازه أو تحريمه، فكيف يكون الحكم في الاستماع للأغاني، وما هي المعايير التي تحدد هذا الحكم؟
الرأي الشرعي في الاستماع للأغاني
تتعدد الآراء الفقهية حول حكم الاستماع إلى الأغاني تبعاً لعدة عوامل، وفيما يلي توضيح لذلك:
- الغناء المصحوب بآلات العزف:
يُحرم الغناء المصاحب لآلات العزف على اختلاف أنواعها ومسمياتها، إلا ما استثناه الفقهاء وهو الدف، مع التأكيد على ضرورة أن تكون الكلمات المصاحبة للدف ذات معنى مشروع.
- الغناء غير المصحوب بآلات موسيقية:
في هذه الحالة، يوجد تفصيل عند العلماء:
- غناء المرأة أمام الرجال الأجانب: يُحرّم الغناء بصوت المرأة أمام الرجال غير المحارم، قياساً على حرمة رفع صوتها بالأذان أو بتلاوة القرآن الكريم، فالمنع من رفع صوتها بالغناء أمام الرجال يكون أشدّ، حتى وإن كانت الكلمات مباحة. وقد أجاز العلماء للمرأة أن تنشد كلمات مشروعة بلحن أمام محارمها كالأب والأخ، بشرط ألا يكون ذلك سبباً في اللهو والغفلة عن ذكر الله تعالى وإقامة الصلاة.
- غناء المرأة بحضرة النساء: يجوز للمرأة أن تغني بحضور النساء، ولكن بشرط أن يكون الغناء بكلام حسن ليس فيه فجور أو فحش، ولا يتضمن دعوة إلى رذيلة أو أمر محرم.
- غناء الرجل: أجازه بعض الفقهاء، بينما ذهب آخرون إلى كراهيته. وإذا كانت الكلمات تتضمن كلاماً مباحاً، أو دعوة إلى خير وفضيلة، فلا بأس فيه، وقد قاس المجيزون ذلك على قول الشعر، حيث كان يُلقى الشعر بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر ذلك، بل أنشد كعب رضي الله عنه أمام النبي صلى الله عليه وسلم شعراً، وشرع به على عادة العرب في شعرها بالغزل الطاهر العفيف، ولم ينكر عليه الصلاة والسلام ما أنشده. وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر حسان بن ثابت رضي الله عنه بقول الشعر.
ويرى العلماء ضرورة الاعتدال في الغناء المباح للرجال، وأنه لا ينبغي الإكثار من الشعر أو الحداء بشكل يصرف المسلم عن أموره الأخرى الهامة. ويتفق العلماء على أن الغناء إذا تضمن كلمات قبيحة، أو دعوة إلى معصية أو فساد، كوصف مفاتن النساء أو التغني بلذة شرب الخمر، فهو محرم.
الغناء بكلام حسن مباح يصبح حراماً إذا اقترن بمحرمات أخرى، كمجالس الاختلاط غير المنضبطة بضوابط الشرع، أو شرب الخمور. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: (ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى رءوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ).
ويُباح ما يعرف اليوم بالإنشاد الإسلامي عند أغلب أهل العلم، وهو يندرج تحت باب السماع، شريطة أن تكون كلماته محفزة على الخير.
وقد فصل الإمام الشاطبي هذه المسألة في كتابه الاعتصام، وذكر أمثلة على الإنشادات المشروعة، ومنها: الدفاع عن الإسلام وأهله، وطلب الحاجات بالإنشاد الشعري، والتشفع عند علية القوم، وما يقال لشحذ الهمم ورفع المعنويات للجهاد وبذل النفس والنفيس في سبيل الله، وما ينشده المرء لوعظ نفسه أو غيره، ودعوته للصلاح والاستقامة على نهج الله تعالى.
وينبغي على المسلم أن يفرق بين ما كان عليه الإنشاد في العصر الأول وما آل إليه بعد ذلك؛ حيث يقول الإمام الشاطبي: (لَكِنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ تَحْسِينِ النَّغَمَاتِ مَا يَجْرِي مَجْرَى مَا النَّاسُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، بَلْ كَانُوا يُنْشِدُونَ الشِّعْرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنَّ يَتَعَلَّمُوا هَذِهِ التَّرْجِيعَاتِ الَّتِي حَدَثَتْ بِعَدَهُمْ، بَلْ كَانُوا يُرَقِّقُونَ الصَّوْتَ وَيَمُطِّطُونَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلِيقُ بِأُمِّيَّةِ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا صَنَائِعَ الْمُوسِيقَى، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلْذَاذٌ وَلَا إِطْرَابٌ يُلْهِي، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ النَّشَاطِ؛ كَمَا «كَانَ الْحَبَشَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَحْدُوَانِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَمَا كَانَ الْأَنْصَارُ يَقُولُونَ عِنْدَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ،، عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا، فَيُجِيبُهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِقَوْلِهِ): اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرَ الْآخِرَهْ ،، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ»).
والأغاني الشائعة اليوم غالباً ما تكون محرمة لاشتمالها على مخالفات شرعية ككلمات الفحش والرذيلة، ومصاحبتها لآلات العزف المحرمة، بالإضافة إلى ما يرافقها من تبرج واختلاط.
ما هو الغناء: معانيه وأشكاله
الغناء له صور متنوعة تتشابه وتختلف في ما بينها، وفيما يلي تفصيل ذلك:
- تعريف الغناء: هو كل كلام يجري على الألسن باللحن والترنم على وجه التطريب، وقصد تحريك المشاعر، سواء كان موزوناً أو غير موزون، وقد يكون مصاحباً لآلة العزف.
- المصطلحات المرادفة للغناء: الطرب، الحداء، الإنشاد، والنصب. الحداء هو غناء خاص بالإبل، والنصب إنشاد بين الحداء والغناء، والطرب هو كل غناء يرافقه اهتزاز وحركة، بينما تحسين الصوت بالأشعار يندرج تحت باب الإنشاد.
- بعض صور الغناء:
- ما يصدر من كلمات ملحنة من المغنين والمنشدين في حفلات الأفراح والمناسبات.
- الأشعار المنشدة بقصد تحريك المشاعر نحو شيء محدد.
- الكلمات الملحنة التي تنشدها الأم لوليدها عند النوم.
- ما يلحنه حادي الإبل؛ لتنشط إبله، وتزيد عزيمتها في السير.
المصادر والمراجع
- أبو فيصل البدراني، حكم الغناء والمعازف وآلات الملاهي والمؤثرات الصوتية.
- مركز الفتوى، “حكم غناء الفتاة أمام أخواتها”، www.islamweb.net.
- الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي مالك الأشعري.
- فتاوى شرعية، “حكم الغناء: بين المانعين والمجيزين”، www.islamonline.net.
- أبتنوح القضاة، “حكم الغناء والموسيقى”، www.aliftaa.jo.
- إبراهيم الشاطبي، الاعتصام.
- إبراهيم أنيس، عبد الحليم منتصر، وآخرون، المعجم الوسيط.
- محمد الجريتلي، “المعازف وما يتعلق بها من أحكام”، www.alukah.net.