صلابة النبي صلى الله عليه وسلم في نشر الرسالة

استعراض لصلابة الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة تحديات قريش، وإصراره على نشر الدعوة رغم كل الصعاب. تفصيل لمواجهته للمساومات، الإيذاء، والسخرية، وثباته في الهجرة والقتال.

مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم لقريش

واجه الرسول صلى الله عليه وسلم تحديات جمة من قبل قريش، لكنه أظهر ثباتاً استثنائياً في سبيل نشر دعوته. لقد تجسدت هذه المواجهة في صور متعددة، عكست تصميم النبي صلى الله عليه وسلم على المضي قدماً في رسالته.

مقاومة النبي صلى الله عليه وسلم لمساومات قريش

رفض النبي صلى الله عليه وسلم كل المساومات التي عرضتها قريش عليه، مفضلاً الثبات على مبادئه. لقد رفض العروض المغرية بالسلطة والمال، مؤكداً أن هدفه الأسمى هو إعلاء كلمة الله.

روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّ قريشاً أرسلت عتبة بن ربيعة الذي كان يُعرف بينهم بالهدوء ورزانة الرأي؛ ليَعرض على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يصده به عند دعوته، فلما جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر مكانته في قريش وعلو نسبه، ثم عرض عليه أموراً، وطلب منه أن يختار منها، حيث قال: “إن كنت إنما تريدُ بهذا الأمرِ مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريدُ شرفاً سوَّدناك علينا فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريدُ مُلكاً مَلَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتِيك رِئياً تَرَاه لا تستطيعُ ردَّه عن نفسك، طلبنا لك الطِّبَّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ”.

وبعد أن فرغ من كلامه ما كان من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أن قرأ عليه قول الله تعالى: (حم* تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ* كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)، إلى قوله تعالى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ).

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل حاولوا أيضاً مساومته على أن يعبد آلهتهم لمدة عام مقابل أن يعبدوا إلهه لمدة عام، لكنه رفض ذلك أيضاً، متمسكاً بدينه. فأنزل الله عليه سورة (الكافرون)، وقرأها على كُفّار قريش، فأيقنوا أنّ هذا الأُسلوب لا ينفع مع النبيّ.

صمود النبي صلى الله عليه وسلم أمام أذى المشركين

لم يتردد المشركون في استخدام أساليب الإيذاء المختلفة، بدءاً من الإيذاء الجسدي وصولاً إلى المضايقات اللفظية. كان أبو لهب وجيرانه يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وكانوا يلقون عليه أوساخ الإبل أثناء صلاته. رغم كل هذا، ظل النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً ومصراً على دعوته.

فقد جاء عُقبة بن أبي مُعيط ذات يوم بسلى الناقة*، ووضعه على ظهر النبيّ وهو ساجد يُصلّي عند الكعبة حتى جاءت ابنته فاطمة، وأزالته عن ظهره، ومن صُور الإيذاء التي تعرّض لها النبيّ أنّ أحد المشركين فتَّت عَظماً ونفخه في وجهه، ومع كلّ ذلك فقد ثبت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- على الإسلام، وتحمّل هذا الأذى.

ثبات النبي صلى الله عليه وسلم في وجه سخرية قريش

لم تخلُ حياة النبي صلى الله عليه وسلم من سخرية قريش واستهزائهم. لقد وصفوه بالكذاب والساحر والمجنون، وطالبوه بمعجزات تعجيزية. لم يثنه هذا عن مواصلة دعوته، بل واجهه بالصبر والحكمة.

ومن ذلك أنّهم قالوا عنه إنّه كذّاب، وساحر، ومجنون، وكاهن، وشاعر، وطلبوا منه قرآناً غير الذي يأتيه به الوحي، أو أن يأتيَهم بالقُرآن دفعة واحدة، وحاولوا مرّات كثيرة إحراجه أمام الناس بأن يطلبوا منه إخراج الينابيع من الأرض، وأن يجعل لهم جنّات، وأنهاراً، فأجابهم بأنّه بشر لا يقدر على ذلك إلّا بأمر من الله، ولم تتوقّف سُخرية المشركين عند هذا الحدّ، بل تعدَّوا ذلك إلى السخرية من الصحابة، وكُلِّ من يُسلم معه -عليه الصلاة والسلام-.

مواجهة ضغوط الأقارب على الرسول صلى الله عليه وسلم

عندما فشلت كل محاولات قريش، لجأوا إلى أسلوب الضغط على النبي صلى الله عليه وسلم من خلال أقربائه، وخاصة عمه أبو طالب. لكن أبو طالب كان يعلم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وثباته، فرفض مطالبهم.

ومن ذلك أنّهم ذهبوا إلى عمّه أبي طالب؛ ليتكلَّم مع النبيّ في وقف دعوته، إلّا أنّ أبا طالب رَدَّهم رَدّاً جميلاً؛ لعِلمه بثبات النبيّ، وإيمانه بدعوته إيماناً قويّاً.

صمود الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة

عندما أذن الله لنبيه بالهجرة، عقدت قريش اجتماعاً للتخطيط لقتله. لكن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت على أمر الله، وخطط للهجرة بحكمة وتدبير، متخذاً كافة الاحتياطات اللازمة.

ظلّت قُريش تُلقِّب النبيّ بالصادق الأمين إلى أن جاءهم بالإسلام؛ فبدأوا بِمُحاربته، واستخدام كافّة الوسائل؛ لمَنعه من نَشر دينه، إلّا أنّ النبيّ ثبت على دعوته، وقد ظهر ذلك في عدّة صور، منها أنّ المشركين لمّا سمعوا بأنّ الله أَذِن لنبيّه بالهجرة، عقدوا اجتماعاً لبحث كيفيّة إيقافهجرته إلى المدينة؛ فقرّروا قَتله، إلّا أنّ النبيّ ثبت على أمر الله له بالهجرة، وخطَّط لها مُتَّخِذاً الإجراءات اللازمة، كمبيت عليّ -رضي الله عنه- في فراشه، والخروج من بيته في النهار من فتحة كانت في ظهر بيت أبي بكر، واتّخاذ الطريق غير المُعتادة إلى المدينة، وتأمين الأشياء الضرورية من الطعام، وتأمين الدليل في الطريق، وإخفاء آثار أقدامه هو وأبو بكر، والتوجّه إلى غار ثور، والاختباء في داخله، كما تجلّى موقف الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأبي بكر في الثبات عندما وصل الكفّار، وذلك كلّه دالٌّ على أنَّ الثبات من لوازم الدعوة.

ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم في المعارك

أظهر النبي صلى الله عليه وسلم ثباتاً لا يلين في جميع المعارك والغزوات. في غزوة أحد، عندما أشيع خبر مقتله، ثبت مع قلة من الصحابة في وجه جيش المشركين. وفي غزوة حنين، ثبت أيضاً عندما تفرق المسلمون.

لقد نَصَرَكُمُ اللَّـهُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكينَتَهُ عَلى رَسولِهِ وَعَلَى المُؤمِنينَ وَأَنزَلَ جُنودًا لَم تَرَوها.

وقد وصف الصحابة -رضي الله عنهم- ثبات النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحروب والمعارك، حيث قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(لقد رأيتُنا يوم بدرٍ ونحنُ نَلوذُ برسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو أقربنا إلى العدُوِّ وكان من أشدِّ الناس يومئِذٍ بأساً).

ورغم الجراح التي أصابته في غزوة أحد، ظل ثابتاً يجمع أصحابه ويقويهم. رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه:(أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَومَ أُحُدٍ، وَشُجَّ في رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عنْه، ويقولُ: كيفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهو يَدْعُوهُمْ إلى اللهِ؟).

صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على فقد الأحبة

فقد الأحبة من أقسى أنواع الفراق، وقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم على فراق زوجته خديجة وابنه إبراهيم. رغم حزنه، إلا أنه ظل صابراً محتسباً.

أخَذَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عليه بَعْدَ ذلكَ وإبْرَاهِيمُ يَجُودُ بنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: وأَنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: يا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ.

العوامل المساعدة على الصمود

هناك عدة عوامل ساعدت النبي صلى الله عليه وسلم على الثبات، منها:

  • الإيمان الراسخ بالله.
  • طول النفس وضبط الأعصاب.
  • الاتصال الدائم بالناس.
  • الاقبال على كتاب الله.
  • استشعاره الدائم بالافتقار إلى الله

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة.

وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً.

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ.

النتائج المترتبة على صمود الرسول صلى الله عليه وسلم

كان لصمود النبي صلى الله عليه وسلم نتائج عظيمة، منها:

  • ازدياد أعداد المسلمين.
  • تربية جيل يحمل الدعوة.
  • انتشار الإسلام على نطاق واسع.

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.

العبر والدروس المستفادة من صمود الرسول صلى الله عليه وسلم

هناك العديد من الدروس والعبر المستفادة من ثبات النبي صلى الله عليه وسلم، منها:

  • الثبات على الإسلام والصبر على أوامر الله.
  • الزهد في الدنيا ومغرياتها.
  • التمسك بالقرآن والصدق مع الله.
  • اليقين التام بأن النصر للإسلام.
  • الاقتداء بالنبي في ثباته.

وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.

آيات وأحاديث في الصمود

وردت العديد من الآيات والأحاديث التي تتحدث عن ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم، منها:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا.

وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هـذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ.

وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا.

دعاؤه -صلّى الله عليه وسلّم- في صلاته، بقوله:(اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك الثَّباتَ في الأمرِ).

دعاؤه -صلّى الله عليه وسلّم- بتثبيت الحُجّة له، بقوله:(تقبَّلْ توبَتي، و اغسِلْ حَوْبَتي، وأجبْ دعوتي، و ثبِّتْ حُجَّتي).

المراجع

قائمة المراجع المستخدمة في كتابة هذا المقال.

* سَلى الناقة: هو الغشاء الذي يُحيط بجنين الناقة، و يخرج مع ولادته.

Total
0
Shares
المقال السابق

الرباط: نظرة على ثاني أكبر مدن المغرب

المقال التالي

تذبذب الوزن خلال فترة الحيض: الأسباب والحلول

مقالات مشابهة