شرح وتوضيح قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)

تحليل وتفسير لآية (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) مع بيان معاني الكلمات وشرح المعنى العام للآية.

تمهيد

تتجلى عظمة القرآن الكريم في بيانه الشافي وتفصيله المحكم، حيث يعرض الحقائق بأسلوب بليغ ومؤثر. ومن الآيات التي تستدعي التأمل والتدبر، قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ). هذه الآية تأتي في سياق الحديث عن مصير المكذبين بآيات الله، وتكشف عن سنة إلهية دقيقة في التعامل معهم. فبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى حال الأمة المهتدية، أتبع ذلك ببيان حال المكذبين، ليظهر التباين بين الفريقين، وليكون في ذلك عبرة للمعتبرين.

معاني الكلمات الأساسية في الآية

  • الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا:

    يشير هذا الوصف إلى كل من أنكر آيات الله الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته. سواء كانت هذه الآيات كونية مشاهدة في الكون الفسيح، أو تنزيلية منزلة في الكتب السماوية. فالمراد هنا هو كل من جحد الحق ولم يعمل به. ويرى بعض المفسرين أن المقصود هنا هم كفار مكة، لكن الأرجح هو العموم ليشمل كل مكذب.

  • سَنَسْتَدْرِجُهُم:

    الاستدراج هو الأخذ بالشيء درجة درجة، كما هو الحال في الصعود أو النزول على الدرج. إلا أن القرينة في الآية تدل على النزول، أي أن الله تعالى يأخذ هؤلاء المكذبين إلى الهلاك والعذاب تدريجياً، دون أن يشعروا بذلك.

تفسير شامل للآية الكريمة

إن الذين أنكروا آيات الله سبحانه وتعالى، سواء كانت هذه الآيات دلائل على وحدانيته أو معجزات تدل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمنوا بها، فإن الله عز وجل سيقربهم من الهلاك شيئاً فشيئاً، وسيدنيهم من العذاب درجة درجة، من حيث لا يحتسبون. والمعنى أنهم لا يشعرون بالخطر الذي يحيط بهم، ولا يدركون أن ما هم فيه من نعيم هو في حقيقته ابتلاء واستدراج. وقد ذكر بعض المفسرين أن هذا الاستدراج يكون بفتح أبواب الرزق والخيرات عليهم، وتيسير سبل العيش لهم، مع إنسائهم شكر الله على هذه النعم. فيركنون إلى الدنيا، وينغمسون في الشهوات، ويظنون أنهم على شيء، فيتمادون في المعاصي والمنكرات. وكلما أنعم الله عليهم ازدادوا بطراً وغفلة، وكلما ارتكبوا ذنباً أُعطوا نعمة استدراجًا لهم.

ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا).

وعندما يتمادون في غيهم وضلالهم، يأخذهم الله على غرة، أخذاً شديداً، من حيث لا يتوقعون، فتتضاعف عقوبتهم ويزداد عذابهم. وفي هذا السياق، تأتي الآية التي تليها لتؤكد هذا المعنى، حيث يقول تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ). فالله يمهلهم ويؤخرهم، ثم يكون أخذه شديداً وعقابه أليماً.
كما قال عز وجل: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).

عبر ومواعظ مستنبطة من الآية

تدل هذه الآية الكريمة على رحمة الله تعالى، وأنه لا يعاجل المكذبين بالعقوبة، بل يمهلهم ويختبرهم. فهو يختبرهم بالآيات الدالة على وحدانيته، ثم يختبرهم بالنعم التي يسبغها عليهم. فإذا تمادوا في المعاصي، ونسوا شكر الله، أخذهم من حيث لا يحتسبون. وفي هذا تذكير لنا بأهمية التفكر في آيات الله، وشكر نعمه، والبعد عن المعاصي، حتى لا نكون ممن يستدرجهم الله من حيث لا يعلمون. فكم من أناس اغتروا بما هم فيه من نعيم، فظنوا أن ذلك دليل على رضا الله عنهم، وما علموا أنه استدراج يؤدي بهم إلى الهلاك.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تأملات في قوله تعالى: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه)

المقال التالي

أحكام نشر الشر والخلاف بين المسلمين

مقالات مشابهة