شرح مصادر التشريع الإسلامي

استكشاف مصادر التشريع الإسلامي: القرآن الكريم، السنة النبوية، الإجماع، والقياس. شرح تفصيلي لكل مصدر وأهميته في استنباط الأحكام الشرعية.

مقدمة في المصادر التشريعية

الشريعة الإسلامية هي نظام شامل للحياة، يهدف إلى تنظيم علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبمجتمعه. تعتمد الشريعة في استنباط أحكامها على مصادر متعددة، تعتبر بمثابة الأدلة التي يستنير بها الفقهاء والمجتهدون للوصول إلى حكم شرعي في مختلف القضايا والمستجدات.

توضيح مفهوم الأدلة الشرعية

الدليل لغةً هو المرشد والهادي سواءً كان ذلك مادياً أو معنوياً، محسوساً أو غير محسوس. أما في الاصطلاح الشرعي، فيُقصد بالدليل الشرعي المصدر الذي يعتمد عليه المسلم في استخلاص الأحكام الشرعية العملية. هذه الأدلة قد تكون قطعية الثبوت والدلالة، أو ظنية الثبوت والدلالة. وتنقسم الأدلة الشرعية من حيث وضوح دلالتها إلى قسمين رئيسيين:

  • أدلة قطعية الدلالة: وهي الأدلة التي لا تحتمل إلا معنى واحداً ولا تقبل التأويل.
  • أدلة ظنية الدلالة: وهي الأدلة التي تحتمل أكثر من معنى، وتحتاج إلى اجتهاد لتحديد المراد منها.

يتفق جمهور العلماء على أن المصادر الأساسية للأحكام الشرعية هي أربعة:

  • القرآن الكريم
  • السنة النبوية
  • الإجماع
  • القياس

وقد استدل العلماء على هذه المصادر بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59). فالآية تحث على اتباع القرآن والسنة وأولي الأمر، وعند الاختلاف يجب الرجوع إلى الله ورسوله، وهو ما يشير إلى القياس.

كما اتفق العلماء على ترتيب الأدلة الشرعية من حيث الأولوية في الاستدلال، فيكون القرآن أولاً، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم القياس، وذلك وفقاً لما ورد في الآية الكريمة.

القرآن الكريم: المصدر الأول

القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم باللغة العربية، وهو معجزة الله الخالدة، والمتعبد بتلاوته، والمنقول إلينا بالتواتر جيلاً بعد جيل، وهو المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس. يعتبر القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع الإسلامي، حيث يشتمل على الأصول الكلية والقواعد العامة التي تنظم حياة المسلمين.

جميع نصوص القرآن الكريم قطعية الثبوت، أي أنها ثابتة وصحيحة ولا مجال للطعن فيها. أما من حيث الدلالة، فتنقسم نصوص القرآن إلى قسمين:

  • نصوص قطعية الدلالة: وهي النصوص التي تدل على معنى واحد وواضح ولا تحتمل التأويل. مثال: قول الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) (النور: 2).
  • نصوص ظنية الدلالة: وهي النصوص التي تحتمل أكثر من معنى وتحتاج إلى تفسير وتأويل. مثال: قول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة: 228).

السنة النبوية الشريفة

السنة النبوية هي كل ما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم. تعتبر السنة النبوية مكملة للقرآن الكريم، حيث توضح وتبين ما جاء فيه من أحكام عامة، وتفصل ما أجمل، وتقيد ما أطلق.

تتنوع السنة النبوية من حيث الثبوت والدلالة، فقد تكون قطعية الثبوت والدلالة، أو ظنية الثبوت والدلالة.

الإجماع: اتفاق العلماء

الإجماع هو اتفاق جميع علماء المسلمين المجتهدين في عصر من العصور على حكم شرعي في مسألة من المسائل. يعتبر الإجماع مصدراً مهماً من مصادر التشريع الإسلامي، حيث يعبر عن الفهم الجماعي للأمة للإسلام، ويضمن عدم الخروج عن الثوابت الشرعية.

وقد ثبتت حجية الإجماع بالقرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء: 59).

القياس: استنباط الأحكام

القياس لغةً هو التقدير، وفي الاصطلاح الشرعي هو إلحاق مسألة لم يرد فيها نص بحكم مسألة أخرى ورد فيها نص، وذلك لاشتراكهما في العلة. يعتبر القياس من الأدلة الشرعية الظنية، ويستخدم عند عدم وجود نص صريح في القرآن أو السنة أو إجماع العلماء.

وقد ثبتت حجية القياس في القرآن والسنة والإجماع. ومثال على ذلك ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ، جاءَتْ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ، أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها، أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ) (صحيح البخاري). ففي هذا الحديث قاس النبي صلى الله عليه وسلم دين الله على دين الآدمي بجامع أن كليهما حق يجب قضاؤه.

Total
0
Shares
المقال السابق

استكشاف آفاق الأدب المقارن: نظرة شاملة

المقال التالي

استكشاف مفهوم البراهين الواقعية وأهميتها

مقالات مشابهة