مقدمة
تعتبر الآيات الأخيرة من سورة البقرة من أعظم آيات القرآن الكريم، وتحمل معاني جليلة وأسراراً عظيمة. سوف نتناول في هذا المقال تفسير هذه الآيات الكريمة، مع بيان معاني الكلمات وأسباب النزول والفضل الذي اختص الله به هاتين الآيتين.
توضيح معاني الكلمات
سنقوم بتوضيح معاني بعض الكلمات الهامة الواردة في الآيات الكريمة:
- آمن: أقرّ وصدّق بقلبه.
- الرسول: النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- أنزل إليه: الوحي الذي أتى به، القرآن الكريم.
- المصير: العودة والرجوع إلى الله للحساب.
- وسعها: طاقتها وقدرتها.
- ما كسبت: الأعمال الصالحة التي فعلتها.
- اكتسبت: الأعمال السيئة التي ارتكبتها.
- تؤاخذنا: لا تعاقبنا.
- إصراً: تكليفاً ثقيلاً.
- الذين من قبلنا: الأمم السابقة.
- طاقة: قدرة واستطاعة.
- مولانا: ناصرنا وولي أمرنا.
حول سبب النزول
ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه سبب نزول هاتين الآيتين. عندما نزلت الآية الكريمة: (لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ)،[٣] خاف الصحابة خوفاً شديداً، وظنوا أنهم سيحاسبون على ما يخطر ببالهم من وساوس وهواجس.
ذهب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه، فقالوا: “أيْ رَسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ، الصَّلاةَ والصِّيامَ والْجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ ولا نُطِيقُها”.[٥]
فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعترضوا على أمر الله، وحذرهم من أن يكونوا كالأمم السابقة الذين قالوا: سمعنا وعصينا. وأمرهم أن يقولوا: “سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ”.[٦] فاستجاب الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هاتين الآيتين تخفيفاً ورحمة بهم، ونسخ بهما الآية السابقة.
التفسير الشامل للآيات
يخبرنا الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم آمن بكل ما أنزل إليه من ربه، من القرآن الكريم والسنة النبوية، وكذلك المؤمنون آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرقون بين أحد من رسله، ويقولون سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).[١]
تشير هذه الآية إلى أصول الإيمان التي يجب على كل مسلم أن يؤمن بها، وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله. كما تبين أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن كل إنسان سيجازى على ما كسب من خير أو شر. ثم علمنا الله كيف ندعوه ونستغفره ونسأله العفو والمغفرة والرحمة.
أهمية وفضل هاتين الآيتين
لهاتين الآيتين فضل عظيم ومنزلة كبيرة، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:”بيْنَما جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: هذا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليومَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَنَزَلَ منه مَلَكٌ، فَقالَ: هذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَسَلَّمَ، وَقالَ: أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلَّا أُعْطِيتَهُ”.[١١]
كما جاء في حديث آخر عن عقبة بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”الآيَتانِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَن قَرَأَهُما في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ”.[١٢] أي تكفيانه من كل سوء.
المصادر
- سورة البقرة، آية: 285-286
- جلال الدين المحلي، تفسير الجلالين، صفحة 64. بتصرّف.
- سورة البقرة، آية:284
- أبالواحدي، أسباب النزول، صفحة 94. بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:125، حديث صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:125، حديث صحيح.
- الطبري، جامع البيان، صفحة 148. بتصرّف.
- سورة الأنبياء، آية:25
- وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 133. بتصرّف.
- وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 133-134. بتصرّف.
- رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:806، حديث صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:4008، حديث صحيح.