محتويات |
---|
خلق النبيّ الكريم وأخلاقه مع أهل الذمة |
إحسان النبيّ وأصحابه لليهود والنصارى |
سماحة الصحابة في معاملة غير المسلمين |
فضل الإحسان لغير المسلمين |
خلق النبيّ الكريم وأخلاقه مع أهل الذمة
بعث الله -تعالى- نبيه محمداً -عليه الصلاة والسلام- رحمة للعالمين، فكان أروع مثال للكمال البشري في جميع علاقاته، مع ربه ومع خلقه. وقد وصفه جابر -رضي الله عنه- بأنه كان “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ رَجُلًا سَهْلًا” ؛[١] أي سهل الخلق، لطيفاً كريماً. ويُظهر هذا الوصف تعامله الرقيق مع غير المسلمين، وحرصه على ضمان سلامتهم وأموالهم وأعراضهم طالما التزموا بالقوانين السارية في الدولة الإسلامية. يسعى الإسلام لبناء مجتمع إنساني قائم على العدالة، ونجد العديد من الأدلة التي تحث على الرحمة مع غير المسلمين، لتشجيعهم على الدخول في الإسلام. فقد تعرض النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وصحابه لأذى شديد من أهل مكة، ومع ذلك لم يدع عليهم بالهلاك أملاً في دخولهم الإسلام.[٣] يتميز النظام الإسلاميّ بشريعته الشاملة التي تشمل جميع فئات المجتمع دون تمييز بينهم على أساس الجنس أو العرق أو الدين، بما في ذلك أهل الذمة الذين لهم عهد الله ورسوله والمؤمنين، ويجب ضمان أمنهم حتى من الأعداء الخارجيين، لهم الحق في العمل والكسب. ويقوم التعامل الإسلاميّ مع الآخرين على الرحمة والبر والعدل، والسماحة وحفظ الحقوق، والبعد عن الظلم، مع مراعاة كرامة الإنسان التي وهبها الله -تعالى- له، كما جاء في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).[٤][٣]
إحسان النبيّ وأصحابه لليهود والنصارى
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- مثالاً للرحمة والتسامح، وقد وصفته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بقولها:(ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه، وما انْتَقَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِنَفْسِهِ إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بهَا)،[٥] وتتجلى سماحته في العديد من المواقف؛ مثل رحمته بجميع الخلق، كما في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)،[٦] وكذلك حثّه على العطف والرحمة في العديد من أحاديثه، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-:(لا يَرْحَمُ اللَّهُ مَن لا يَرْحَمُ النَّاسَ)،[٧] وتسامحه مع من عاداه وآذاه يوم فتح مكة، وصفحه عنهم، بالإضافة إلى دعائه لمخالفيه من غير المسلمين بالهداية، مثل دعائه لطُفَيْل بن عمرو الدوسيّ وأم أبي هريرة.[٨] وبلغ إحسانه بعد فتح خيبر وأخذ صحف التوراة منهم أن أعادها إليهم عندما طلبوها منه، ولم يحرقها أو يضعها تحت قدميه كما فعل غيره.[٩] وقد أباح الإسلام التعامل مع اليهود والنصارى مع الاستعانة بهم في الحروب إن اقتضت الضرورة. وتعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع رجل من اليهود اسمه أبو الشحم، ومات ودرعه مرهونة عنده.[١٠] وقد كفل الإسلام لأهل الذمة حقوقهم كاملة، وأعطاهم حرية الدخول في الإسلام، وأمر بالإحسان إليهم في المعاملات والعدل معهم.[١١] عندما هاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، وجد عددًا كبيرًا من اليهود، فقام بوضع مواثيق تحدد العلاقة معهم على أساس التسامح وضمان حقوقهم. وكان بجوار النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض أهل الكتاب، فكان يبرهم ويهدي إليهم، ويُهدى إليه منهم. وقد زاره عدد من وفود النصارى، كوفد الحبشة ونجران، فكان يكرمهم ويدخلهم المسجد، وسمح لهم بإقامة صلواتهم فيه. وسار الصحابة الكرام على هذا المبدأ بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-. مثل عمر بن الخطاب عندما دخل القدس، حيث قبل جميع شروط سكانها من المسيحيين.[١٢] فكانت علاقة المسلمين بغيرهم تقوم على الإحسان والتسامح، والاشتراك في الحقوق والواجبات، وحرية العبادة لهم، بشرط عدم إثارة الفتنة في دين المسلمين، والتحاكم في مسائل أهل الذمة لحاكمهم. ولحفظ هذه الأسس والحقوق، أوصى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- في العديد من وصاياه وأفعاله،[١٣] مثل المعاهدات التي عقدها مع اليهود بعد الهجرة، ومعاهدات الصلح مع يُحنة بن روبة وأهل جرباء وأذرُح ونصارى نجران وغيرهم. وكان النبيّ والصحابة أوفى الناس بهذه العقود، امتثالاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)،[١٤] كما أن عدم دخولهم في الإسلام ليس سببًا لقتالهم، بل لا بد من سبب آخر، كنقض العهد أو التآمر ضد المسلمين.[١٥]
سماحة الصحابة في معاملة غير المسلمين
يشهد التاريخ على سماحة الصحابة الكرام في تعاملهم مع غير المسلمين، ولم يُعهد عنهم تضييقهم عليهم أو إجبارهم على الإسلام. فكان الخلفاء الراشدون يُعينونهم بالمال عند الحاجة، ويهتمون بكفالتهم عند العجز والشيخوخة. في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- كتب لخالد بن الوليد بصرف المال من بيت مال المسلمين لمن ضعف عن العمل أو كان مريضًا أو فقيرًا. كما أوصى الجيوش الإسلامية بعدم إرهاب الرهبان في صوامعهم. وأوصى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بأهل الذمة، والوفاء بعهودهم، وعدم تكليفهم فوق طاقتهم. وذات يوم وجد يهوديًا يطلب المال لحاجته وكبر سنه، فصرف له مبلغًا من بيت مال المسلمين. وتندرج هذه السماحة ضمن ضوابط الإسلام ومقاصد الشرع. وفي عهد عمر بن عبد العزيز، كتب إلى أحد ولاةه وهو عدي بن أرطأة بمساعدة من كان من أهل الذمة ولا يقدر على الكسب.[١٦] وبعد أن فتح الجيش الإسلامي الشام والعراق وحمص، سمع أبو عبيدة -رضي الله عنه- بتجهيز الروم لجيش كبير بقيادة هرقل لقتال المسلمين، فأعاد الجزية إلى أهل حمص ودمشق، وقال لهم: “إننا لا نستطيع أن نحميكم وأن ندافع عنكم، وهذه جزيتكم التي دفعتموها لنا في مقابل حمايتكم”، فأجابوه: “والله لعدلكم أحب إلينا من جور الروم وظلمهم”، مع أنهم كانوا على نفس دينهم.[١٧] ومما يؤكد عظمة التسامح عند الصحابة الكرام، أن امرأة مسيحية من مصر اشتكت على عمرو بن العاص للخليفة عمر بن الخطاب، لأنه أدخل جزءًا من بناء المسجد في بيتها، فعرض عليها عمر شراء بيتها بضعف الثمن، لكنها رفضت، فأمر عمر بهدم البناء الجديد للمسجد، وإعادة بيتها كاملاً إليها.[١٨] وكان لتسامح النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الأثر الكبير في نفوس غير المسلمين.[١٩]
فضل الإحسان لغير المسلمين
تكمن أهمية الإحسان لغير المسلمين في ترغيبهم في الإسلام، وتأليف قلوبهم للدين، بدليل قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لأسماء بنت أبي بكر عندما استأذنته في زيارة أمها غير المسلمة، فقالت -رضي الله عنها-:(قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ)،[٢٠][٢١] ومن الحِكم أيضًا ترغيب المؤلّفة قلوبهم في الإسلام، وإبعادهم عن دائرة الشرك.[٢٢] وقد أمر الله -تعالى- بالإحسان إليهم ما داموا غير مقاتلين، لكون ذلك من وسائل الدعوة، فقال الله تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).[٢٣][٢٤]