ماهية القانون التجاري
القانون التجاري يُعدُّ أحد فروع القانون الخاص، وهو عبارة عن منظومة من القواعد القانونية التي تنظم الأعمال التجارية وتطبق على التجار. يهدف هذا القانون إلى تنظيم ممارسة التجارة والعلاقات التي تنشأ عن هذه الأعمال، بالإضافة إلى الأنشطة المتعلقة بالتجارة نفسها. كما يشمل تنظيم التعاملات التي تتم بين التجار أنفسهم، وكذلك بين التاجر والمستهلك. إن وجود قانون تجاري فعال يعتبر أمراً بالغ الأهمية في دعم النشاط الاقتصادي والتجاري.
الخصائص المميزة للقانون التجاري
يتميز القانون التجاري بسمتين رئيسيتين تميزانه عن غيره من القوانين:
-
خاصية الإسراع في الإجراءات:
تتميز المعاملات التجارية بالسرعة الفائقة نظراً لأهمية الوقت في التجارة وتحقيق الأرباح وإبرام الصفقات. كما أن تقلبات السوق والاقتصاد تؤثر بشكل مباشر على هذه المعاملات. إن تبسيط الإجراءات القانونية وتجنب التعقيدات التي قد تعرقل سير الأعمال التجارية يسهم في تمكين التاجر من إتمام عدد كبير من الصفقات في وقت قصير. هذا التسريع يختلف بشكل كبير عن القانون المدني، الذي يتميز بالإجراءات المطولة والثبات النسبي.
-
خاصية الائتمان:
يولي القانون التجاري اهتماماً كبيراً بالائتمان، والذي يتجلى في منح المدين فترة زمنية محددة للوفاء بالتزاماته. يحتاج التاجر غالباً إلى هذه المهلة الزمنية لتنفيذ جميع تعهداته. ولذلك، يلجأ إلى شراء البضائع قبل استلام ثمن المبيعات السابقة. يتضمن القانون التجاري أدوات ومؤسسات لدعم الائتمان، مثل البنوك وأنظمة الأوراق التجارية والشركات. كما يوفر حماية من خطر الإفلاس.
أصول القانون التجاري
تتعدد المصادر التي يستمد منها القانون التجاري أحكامه وقواعده، ويمكن تقسيمها إلى مصادر رسمية ومصادر تفسيرية:
المصادر التشريعية الأساسية
-
التشريع:
يمثل التشريع المصدر الأول والرئيسي للقانون التجاري.
-
الشريعة الإسلامية:
تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الثاني من مصادر القانون التجاري، حيث يتم الرجوع إليها للفصل في المنازعات التجارية بالاستناد إلى النصوص الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكذلك الاجتهاد والإجماع.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً”
-
العرف التجاري:
يأتي العرف في المرتبة الثالثة بين المصادر، وهو يشمل الأحكام والقواعد التي اعتاد عليها التجار في تنظيم معاملاتهم التجارية. يتميز العرف بأنه غير مدون، ويمثل قانوناً تلقائياً ينشأ عن الاتفاق الضمني بين الأطراف على اتباع تصرف أو تنظيم معين.
المصادر التفسيرية الثانوية
-
القضاء:
يشير إلى مجموعة الأحكام الصادرة عن المحاكم المختلفة في المنازعات المتعلقة بالتجارة.
-
الفقه:
يمثل آراء الفقهاء التي تهدف إلى تفسير مواد القانون التجاري من خلال استنباط الأحكام القانونية من المصادر المختلفة باستخدام الطرق العلمية.
باختصار، يتميز القانون التجاري بخصائصه الفريدة التي تجعله مستقلاً عن القانون المدني، وعلى رأسها السرعة والاهتمام بالائتمان، مما يجعله عنصراً حيوياً في تنظيم النشاط التجاري والاقتصادي.