جدول المحتويات
غنى وتنوع الفقه المالكي
يُعتبر فقه الإمام مالك واحداً من أكثر المذاهب الإسلامية اتساعاً وثراءً بالمدارس الفقهية المختلفة. تميزت كل مدرسة بخصائصها الفريدة ومساهماتها المتميزة في التأليف والتصنيف. من بين هذه المدارس البارزة، نذكر مدرسة المدينة المنورة، التي تعتبر الأصل والمرجع الأساسي، بالإضافة إلى مدارس مصر والعراق والقيروان وفاس والأندلس.
في مجال التأليف، سلكت المدارس المالكيّة مسارين رئيسيين: المسار المغربي الذي ركز على تحقيق آراء الإمام مالك وأصحابه واختصارها، والمسار العراقي الذي اهتم بالتفصيل والتبسيط والتدليل والتعليل. هذا التنوع أدى إلى إنتاج كم هائل من المؤلفات الفقهية.
وقد أثمرت جهود الإمام مالك عن ظهور مدارس فقهية امتدت من الشرق إلى الغرب، بدءًا بالمدرسة المدنية التي تعتبر الأم لجميع المدارس الأخرى، وصولًا إلى المدرسة المصرية والعراقية والمغربية والأندلسية. هذا التنوع أدى إلى إنتاج عدد كبير من الكتب الفقهية التي استمرت لفترة طويلة، ولكن تأثيرها تضاءل في نهاية القرن الثامن الهجري. جميع هذه المدارس تندرج ضمن إطار المذهب المالكي، ولكل منها أبوابها الخاصة، مما يفسر وجود كلمة “قولان” في كتب المالكية.
تعدد الأدلة وكثرتها في المذهب المالكي
يتميز المذهب المالكي بتنوع مصادر الأدلة التي يعتمد عليها. فقد أسس الإمام مالك مذهبه على عشرين مصدراً، تشمل خمسة مصادر من القرآن الكريم، وخمسة من السنة النبوية، بالإضافة إلى الإجماع والقياس وعمل أهل المدينة وقول الصحابي والاستحسان وسد الذرائع ومراعاة الخلاف والاستصحاب والمصالح المرسلة وشرع من قبلنا. اشتهر المذهب المالكي بالعمل بالسنة وعمل أهل المدينة والمصلحة المرسلة.
تُعرف هذه المصادر بالأصول التي بُني عليها المذهب. كان من بين أصوله أيضاً العمل بالعُرف. وقد أسس الإمام مالك مذهبه على غرار المدارس الأخرى في المذاهب الأخرى، مع وجود بعض الاختلافات في الأصول الأخرى غير المتفق عليها. كان يعتمد على السنة النبوية وأقوال الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-.
وقد أولى الإمام مالك اهتماماً خاصاً بأفعال أهل المدينة النبوية، واعتبرها مصدراً تشريعياً مهماً، إذ يرى أنها تعكس التطبيق العملي للسنة النبوية في مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم.
الاعتماد على الفقه الفرضي والقياسي
تميزت المدرسة المالكيّة في العراق بالتركيز على دراسة الفقه الفرضي والتقديري، والتوسع في العمل بالرأي والقياس وتقرير الأحكام. كانت آراء المذهب في العراق تعتمد بشكل كبير على علماء المدينة أو الحرمين في مكة والمدينة، أو في البصرة.
كما تميزت مدرسة المالكيّة في العراق عن غيرها من المدارس بسعة الاطلاع على علماء وكتب أصحاب المذاهب الأخرى. قاموا بنشر قواعد المذهب، وقارنوا بين المذهب المالكيّ وغيره من المذاهب، وجمعوا القواعد المتناثرة من مصادره الأولى، واستخلصوا القواعد التي بنى عليها تلاميذ الإمام مالك أصولهم.
من الكتب المعتمدة في المذهب المالكي والتي جمعت قواعد المالكية كتاب الفروق المسمى بأنوار البروق في أنواء الفروق للإمام القرافي.
الانتشار في الأندلس والمغرب الأقصى
انتشر مذهب الإمام مالك في الحجاز والبصرة وما حولها من بلاد إفريقية والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى وبغداد والسودان، كما انتشر في بلاد فارس وخراسان واليمن وبعض بلاد الشام.
وقد استمر مذهب مالك لعدة قرون في الأندلس والمغرب الأقصى بفضل جهود يحيى بن يحيى الليثي، أحد أبرز تلاميذ الإمام مالك. نشأ المذهب المالكي في المدينة، وهو موطن الإمام مالك، ثم انتشر في الحجاز والبصرة ومصر وبلاد إفريقية والأندلس وبغداد والسودان والمغرب الأقصى.
مما ساعد في انتشار المذهب المالكي في العديد من البلدان أنه مذهب سلوكي وتربوي.