مقدمة
يعتبر فن الحديث الشفهي، أو ما يعرف بالخطابة، من أقدم الفنون الأدبية التي عرفتها البشرية. وقد احتلت مكانة مرموقة في العصر الجاهلي، حيث كانت وسيلة للتعبير عن الآراء، والدفاع عن الحقوق، وتحقيق المصالح. وقبل بزوغ فجر الإسلام، تميز هذا الفن بخصائص فريدة، وقواعد وأصول ساهمت في تشكيل هويته المتميزة.
السمات المميزة للحديث الشفهي في الجاهلية
تميز فن الحديث الشفهي في العصر الجاهلي بعدة سمات بارزة، قبل أن يشهد تطورًا وازدهارًا في العصر الإسلامي. من بين هذه السمات:
- قوة التأثير: كان المتحدثون يمتلكون قدرة فائقة على التأثير في الجمهور، وإثارة مشاعرهم.
- إتقان الصنعة: كان المتحدثون يحرصون على إتقان فن الحديث، والتدرب عليه بشكل مستمر.
- الحفاظ على أصالة اللغة: كان المتحدثون يحرصون على استخدام اللغة العربية الفصحى، والحفاظ على نقائها وأصالتها.
- فخامة الأسلوب: كان المتحدثون يعتمدون على أسلوب فخم، ومترفع، يتناسب مع مكانة المناسبة.
- التنوع في الطول: كان المتحدثون يراعون طبيعة المناسبة، واهتمامات الجمهور، عند تحديد طول الحديث، فقد يكون طويلاً أو قصيراً حسب الحاجة.
توضيح مفهوم الحديث الشفهي
المعنى اللغوي
في اللغة، يشير الحديث الشفهي إلى فن الإقناع أو الإدهاش من خلال الكلام. يعتمد هذا الفن على علوم البلاغة والبيان والمعاني، ويهدف إلى التأثير في المستمعين وإقناعهم بوجهة نظر معينة. ويعرف أيضاً بأنه فن أدبي ونثري وشفهي يهدف إلى وعظ الناس وإقناعهم بصحة أو خطأ قضية ما.
المفهوم الاصطلاحي
هناك عدة تعريفات اصطلاحية للحديث الشفهي، منها تعريف أرسطو بأنه: “هي قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحدة من الأمور المفردة”. كما يعرف بأنه فن مخاطبة الناس بشكل مباشر، وإقناعهم، وكسب تأييدهم لقضية معينة أو ضدهم. يشترط في الحديث الشفهي أن يكون مشافهة، أي يتم إلقاؤه أمام جمهور حاضر يستمع إليه، وليس مجرد كتابة أو شعر مدون.
أصناف الحديث الشفهي وأقسامه
تتعدد أنواع الحديث الشفهي، وتختلف باختلاف الغرض منها والمناسبة التي تلقى فيها. من بين هذه الأنواع:
- الأحاديث السياسية: يلقيها رجال السياسة والدين والقادة العسكريون، وتتناول قضايا سياسية واجتماعية هامة.
- الأحاديث الدينية: يختص بها رجال الدين، وتلقى في المناسبات الدينية كصلاة الجمعة والعيد.
- الأحاديث القضائية: تتضمن المرافعة والدفاع أو الاتهام، ويختص بها المحامون.
- الأحاديث الجدلية: تتضمن المفاخرات والمنافرات، وتهدف إلى إظهار التفوق على الخصم.
- الأحاديث العلمية والمناظرات: تناقش قضايا علمية وفكرية، وتهدف إلى الوصول إلى الحقيقة.
- الأحاديث العسكرية: يلقيها قادة الجيوش، وتهدف إلى رفع الروح المعنوية للجنود، وتحفيزهم على القتال.
- الأحاديث الاجتماعية: تلقى في المناسبات الاجتماعية كالزواج والصلح بين المتخاصمين.
وينقسم الحديث الشفهي إلى قسمين رئيسيين:
- العمود: هو جوهر الحديث ومادته الأساسية، ويشمل الحجج والبراهين التي يعتمد عليها المتحدث لإقناع الجمهور. وقد سمي بالعمود لأنه أساس الحديث وركنه الركين.
- الأعوان: هي العوامل المساعدة التي تساهم في إقناع الجمهور، وتشمل الأفعال والأقوال والأساليب البلاغية التي يستخدمها المتحدث.
خلاصة
لقد كان للحديث الشفهي في العصر الجاهلي دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الاجتماعي والثقافي. وعلى الرغم من بساطة الأدوات والتقنيات المتاحة في ذلك العصر، إلا أن المتحدثين تمكنوا من إتقان هذا الفن، وتحقيق تأثير كبير في مجتمعاتهم. وما زالت سمات الحديث الشفهي في العصر الجاهلي مصدر إلهام للمتحدثين في العصر الحديث.