مقدمة عن شعر عنترة بن شداد
عنترة بن عمرو بن شداد العبسي، شخصية فذة في تاريخ الشعر العربي، وفارسٌ من فرسان قبيلة عبس المعدودين. يتردد اسمه كأحد أبرز شعراء الجاهلية، عرف ببسالته وشعره الذي يجسد قيم الفروسية والنبل. والده من سادة بني عبس، بينما كانت والدته أمة حبشية تدعى “زبيبة”. لم يعترف به والده في بداية الأمر، إلا بعد بطولته في حرب داحس والغبراء. اشتهر بين القبائل العربية بصفاته الحميدة، وشجاعته وكرمه، وعرف أيضًا بـ “الفلحاء” بسبب تشقق في شفتيه. تضاربت الروايات حول وفاته، لكن يروى أن قبيلة طيء كانت وراء نهايته.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أبرز السمات التي تميز شعر عنترة، والتي جعلت منه شاعرًا فذًا في عصره.
السمات الإبداعية في شعره
يتميز شعر عنترة بتجسيد الجوانب الذاتية والقيم الشخصية، من خلال الاعتزاز بالنفس والتعبير عن الفروسية. يتجلى في شعره فخره بقبيلته، لكن هذا الفخر يظل ثانويًا مقارنة بفخره بذاته وقدراته.
الواقعية هي سمة بارزة أخرى في شعره؛ فالأحداث التي يتغنى بها ليست من نسج الخيال، بل هي وقائع عاشها، حولها إلى صور شعرية بديعة. يتسم شعره بالصدق في نقل الأحداث والمشاعر، فهو لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يعبر أيضًا عن الأحاسيس الداخلية والآلام النفسية التي تعتريه.
الخصائص التصويرية
يضفي عنترة على الصور الشعرية نوعًا من الحركة والحيوية، خاصة في شعر الغزل. وذلك من خلال اختياره المتقن للألفاظ التي تعكس الحركة والتجدد. يمتلك العرب قدرة لغوية فائقة تمكنهم من تحريك الصور الثابتة ببراعة.
يولي عنترة اهتمامًا كبيرًا بعناصر الصورة الشعرية، فهو يصور تفاصيل الحياة بدقة من خلال الملاحظة المباشرة، مما يمنح شعره قوة تأثيرية كبيرة.
الاهتمام بالتشبيه سمة أخرى في شعره. استخدم عنترة التشبيهات بأنواعها المختلفة: التشبيه التمثيلي، والمفصل، والمؤكد. كما اهتم بالاستعارة، والكناية، والصور الخيالية.
الجوانب اللغوية
تتميز مفردات عنترة بالسهولة والوضوح، فهي سلسلة وقليلة التعقيد أو الغرابة، مما يجعل شعره قريبًا من المتلقي.
تتضمن صياغة شعره جميع الأدوات اللغوية المتاحة، من ألفاظ وأساليب وخيال وموسيقى. يتبع أسلوبه أسلوب شعراء عصره، حيث يبدأ بالوقوف على الأطلال، ثم ينتقل إلى وصف الطريق والناقة، ثم يعرض غرضه الشعري، سواء كان مدحًا أو هجاءً أو غزلًا.
تتسم ألفاظ عنترة بالصلابة والقوة عندما يتحدث عن الحرب، وباللين والرقة عندما يتغزل.
الأهداف الشعرية في شعره
تناول عنترة في شعره أغراضًا شعرية متنوعة، إلا أن الفروسية تبقى الغرض المهيمن. فقد ارتبط اسمه بالفروسية ارتباطًا وثيقًا، حتى أصبح مضرب المثل فيها.
التصوير
ينقسم الوصف في شعر عنترة إلى ثلاثة أقسام:
- وصف الأطلال والديار: يظهر هذا جليًا في معلقته الشهيرة، حيث يسأل الديار ويتمنى لو تجيبه عن أحوال محبوبته. يتذكر رحيلها، ولا يبقى له إلا الذكرى. يميل في وصفه للديار والأطلال إلى التطويل والتكرار.
- وصف الناقة: يصف عنترة ناقته وصفًا دقيقًا، ويخاطبها متمنيًا أن تبلغه دار الحبيبة. يصف سرعتها وقوتها وقدرتها على تحمل المشاق.
- وصف الفرس: يصف فرسه الذي أعده للحرب، ويجمع بين وصف الفرس والاعتزاز بفروسيته.
يقول في مطلع معلقته:
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
أَعْيَاكَ رَسْمُ الدَّارِ لَمْ يَتَكَلَّـمِ حَتَّى تَكَلَّمَ كَالأَصَـمِّ الأَعْجَـمِ
يا دارَ عبلة بالجواءِ تكلَّمي وعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّه فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
ويقول في وصف الناقة:
هَلْ تُبْلِغَنِّي دَارَهَـا شَدَنِيَّـةٌ لُعِنَتْ بِمَحْرُومِ الشَّرَابِ مُصَـرَّمِ
خَطَّارَةٌ غِبَّ السُّـرَى مَـوَّارَةٌ تَطِسُ الإِكَامَ بِذَاتِ خُـفٍّ مِيْثَـمِ
وَكَأَنَّمَا أَقِصَ الإِكَامَ عَشِيَّـةً بِقَرِيبِ بَيْنَ المَنْسِمَيْـنِ مُصَلَّـمِ
ويقول في وصف الفرس:
هَلاَّ سَأَلْتِ الخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ إِنْ كُنْتِ جَاهِلَـةً بِمَا لَمْ تَعْلَمِي
إِذْ لا أَزَالُ عَلَى رِحَالةِ سَابِحٍ نَهْـدٍ تَعَاوَرُهُ الكُمَاةُ مُكَلَّـمِ
طَوْرًا يُجَـرَّدُ لِلطِّعَانِ وَتَـارَةً يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْرِمِ
النسيب
يحتل الغزل مكانة بارزة في شعر عنترة، ويعكس حبه وتعلقه بابنة عمه عبلة. يتميز غزله بالعفة والبعد عن الفحش، ويهدف إلى إبراز الصفات الحسنة والتغني بالجمال.
يقول في الغزل:
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ
مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ
فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ
خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ
الحماسة والإقدام
يعكس شعر عنترة شجاعته وإقدامه في المعارك. نجده هنا لا يلتفت الي تحذيرات صاحبته ويؤكد لها ان الموت مصير كل حي. ويدعوها الي صون نفسها بالحياء لانه في النهاية سيموت الا ان موته مناضلا اشرف له.
يقول في الحماسة:
بَكَرَتْ تخوفني الحتوفَ كأنني أَصْبحْتُ عن غَرض الحَتوفِ بِمَعْزِلِ
فأَجَبْتُهَا إنْ المَنيَّة مَنْهلٌ لا بدَّ أنْ أُسْقَى بكأْس المنْهلِ
فاقني حياءك لا أبا لكِ واعلمي أني امرؤ سأموتُ إن لم أقتل
إنَّ المنيَّة لو تُمثَّلُ مُثِّلتْ مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
الافتخار
يشغل الفخر مساحة كبيرة في شعر عنترة، حيث يتحدث عن نفسه وعن شجاعته وبسالته في المعارك.
يقول مفتخرا:
خلقتُ من الحديدِ أشدّ قلباً وقد بَليَ الحديدُ وما بليتُ
وفي الحرب العوان ولدتُ طفلاً ومن لبن المعامع قد سقيتُ
وإنّي قد شربت دم الأعادي بأقحاف الرؤوس وما رويت
نماذج من أشعاره
قصيدة: وللموت خير للفتى من حياته
وَلَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِهِ إِذا لَم يَثِب لِلأَمرِ إِلّا بِقائِدِ
فَعالِج جَسيماتِ الأُمورِ وَلا تَكُن هَبيتَ الفُؤادِ هَمُّهُ لِلوَسائِدِ
قصيدة: أطوي فيافي الفلا
أَطوي فَيافي الفَلا وَاللَيلُ مُعتَكِرُ وَأَقطَعُ البَيدَ وَالرَمضاءُ تَستَعِرُ
وَلا أَرى مُؤنِساً غَيرَ الحُسامِ وَإِن قَلَّ الأَعادي غَداةَ الرَوعِ أَو كَثِروا
فَحاذِري يا سِباعَ البَرِّ مِن رَجُلٍ إِذا اِنتَضى سَيفَهُ لا يَنفَعُ الحَذَرُ
قصيدة: قف بالديار
قِف بِالدِيارِ وَصِح إِلى بَيداه فَعَسى الدِيارُ تُجيبُ مَن ناداه
دارٌ يَفوحُ المِسكُ مِن عَرَصاتِهِ وَالعودُ وَالنَدُّ الذَكِيُّ جَناه
دارٌ لِعَبلَةَ شَطَّ عَنكَ مَزارُها وَنَأَت لَعَمري ما أَراكَ تَراه
ما بالُ عَينِكَ لا تَمُلُّ مِنَ البُكارِ مَدٌ بِعَينِكَ أَم جَفاكَ كَراها
المراجع
- محمد سعيد مولوي، ديوان عنترة تحقيق ودراسة، صفحة 22. بتصرّف.
- حافظ محمد بادشاه، دراسة فنية لشعر عنترة بن شداد، صفحة 206_212. بتصرّف.
- حافظ محمد بادشاه، دراسة فنية لشعر عنترة بن شداد، صفحة 204_205. بتصرّف.
- اعتنى به وشرحه حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 11.
- الإمام أبو عبدالله الحسين بن أحمد بن الحسين الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 343_344. بتصرّف.
- حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 14.
- حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 17.
- حافظ محمد بادشاه، دراسة فنية لشعر عنترة بن شداد، صفحة 203. بتصرّف.
- حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 67.
- شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 370. بتصرّف.
- حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 44.
- حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 84.
- حمدو طماس، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 113.
- “قف بالديار وصح إلى بيداه”، الديوان.