المحتويات:
السمات المميزة لشعر امرئ القيس
يتميز شعر امرئ القيس بمجموعة من الخصائص الفريدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة في تاريخ الأدب العربي. هذه الخصائص تشمل قوة التعبير، وضوح الرسالة، والقدرة على تجسيد المشاعر والأحاسيس بأسلوب مؤثر.
فصاحة الألفاظ ويسر المعاني
لا شك أن البيئة الصحراوية التي ترعرع فيها هذا الشاعر الفذ كان لها بالغ الأثر في تشكيل لغته الشعرية. فقد تميزت كلماته بالفصاحة والقوة، وفي الوقت نفسه كانت معانيه قريبة إلى الفهم، خالية من التعقيد والإبهام. فعندما يتناول قضايا الحب، فإنه يصف المحبوبة وجمالها ومفاتنها بكل دقة وإسهاب. وعندما يتحدث عن الخيل، فإنه يذكر قوائمه، وظهره، وشعره. أما المطر، فإنه يصف غزارته وآثاره على البيوت، دون الخوض في تفاصيل تتجاوز هذه الأوصاف الحسية. وهذا ما يضفي على شعره طابعاً مميزاً يجعله قريباً إلى القلب ومستساغاً لدى مختلف الأذواق.
فعندما كان يتحدّث عن الحب فإنه يصف المرأة وجمالها ومحاسنها، وبالتحدُّث عن الفَرَس يأتي على ذكر ساقه ومتنه وشعره، أما المطر فيصف كثرته وآثاره على البيوت، دون أن يتطرق إلى ما وراء هذه الأوصاف الحسيّة في الخيل والمطر، أو عن عواطفه الإنسانية في حُبّه وغزله.[٢]
القدرة الفائقة على التصوير الفني
اشتهر امرؤ القيس بقدرته المذهلة على التصوير الفني، فهو يرسم صورة حية للواقع من حوله، وينقلها إلى القارئ بكل تفاصيلها. على سبيل المثال، هو يصور الليل بظلامه الدامس وهمومه التي لا تنتهي، ويصف كيف أن هذا الليل طويل وشاق، لدرجة أن الإنسان يظن أن نجومه معلقة بحبل وثيق لا تتحرك من مكانها. ثم ينتقل إلى تصوير سرعة الخيل تصويراً بديعياً، بحيث يخيل للناظر إليه أنه يروح ويجيء في الوقت نفسه، وكأنه صخرة كبيرة تتدحرج من أعلى قمة جبل شاهق.
يقول امرؤ القيس في معلقته:[٤]
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثلِ
فيا لكَ مِن ليلٍ كأن نجومه
بكلِّ مغارِ الفتلِ شدت بيذبلِ
مكرٍ مفرٍ مقبلٍ مدبِرٍ معًا
كجلمود صخرٍ حَطَّه السَيل من علِ.
الإتقان في رسم الصورة
ركز امرؤ القيس في شعره على وصف مظاهر الجمال التي يعشقها العربي، سواء في المرأة أو في الفرس. كان وصفه تفصيلياً دقيقاً لزينة المرأة وأناقتها، بالإضافة إلى ذلك، فقد أبدع في وصف الطبيعة الخلابة، حيث وصف وميض البرق وتألقه في سحب متراكمة، وشبه هذا التألق واللمعان بحركة اليدين عند الإشارة بهما. كما وصف كيف جلس هو وأصحابه يتأملون هذا المنظر الرائع، والسحب تمطر بغزارة، حتى تقتلع سيولها كل ما في طريقها من أشجار.
يقول امرؤ القيس:[٤]
أحار ترى برقًا أُريك وميضه
كلمع اليدين في حبِيٍ مكللِيضيء سناه أَو مصابيح راهبٍ
أَهان السليط في الذبال الُفتلقعدت له وصحبَتي بين حامرٍ
وبين إِكامِ بُعد ما مُتأملِوأَضحى يسح الماءُ عَن كُلِ فَيقةٍ
يَكُبُّ عَلى الأَذقانِ دَوحَ الكنهبَلِ
تعدد الأهداف
اعتاد الشعراء في العصر الجاهلي على أن تجمع قصائدهم بين عدة أغراض شعرية مختلفة. فكانوا يبدأون عادة بالغزل وذكر الأطلال، ثم ينتقلون إلى وصف الناقة أو الفرس، وبعد ذلك يتجهون إلى الغرض الرئيسي من القصيدة، سواء كان فخراً أو مدحاً أو هجاءً. وقد يختمون القصيدة بشيء من الحكمة والموعظة. هذه الأغراض الشعرية كانت تتسم بالجدية والعمق، وكانت تعكس رؤية الشاعر للحياة والمجتمع.
كانت القصيدة تجمع عدّة أغراض شعرية، فعادةً ما تبدأ بالغزل وذكر الأطلال، ثمّ يتّجه إلى وصف الناقة أو الفَرَس، وبعد ذلك ينتقل إلى الغرض الرئيسي من فخر أو مدح أو هجاء، وقد يختمها بشيء من الحكمة،[٧]وهذه الأغراض جديّة وليست مُبتذلة عند امرئ القيس.[٨]
الإحساس الصادق
تعتبر العاطفة الصادقة من أهم عناصر الجودة في النص الأدبي. فالنص الذي ينبع من إحساس حقيقي غير زائف أو مصطنع يكون له تأثير أكبر على القارئ. وقد تجلى ذلك بوضوح في شعر امرئ القيس، خاصة عندما تحدث عن الأيام الجميلة التي قضاها مع عشيقته، وخاصة يوم الغدير. فقد عبر الشاعر عن فرحته بوصال النساء، وأكد أنه لا يوجد يوم يضاهي يوم دارة جلجل، ويوم عقر مطيته، على سائر الأيام الصالحة التي فاز بها.
يتمثّل ذلك بقوله:[٤]
ألا رُب يَومٍ لَكَ منهن صالحٍ
وَلا سِيما يوم بدارة جلجلِ
ويوم عَقرتُ للعذارى مطيتي
فَيا عَجَبًا مِن كورها المتحملِ
فظل العَذارى يرتمين بلحمها
وَشحمٍ كَهُدّاب الدمقس المفتلِ
العبقرية في نسج الخيال
تميز امرؤ القيس بخيال واسع وقدرة فائقة على ابتكار الصور الشعرية المدهشة. كان خياله تأليفياً، يجمع بين الأفكار والصور المتناسبة لخلق صورة فنية متكاملة. وقد استخدم التشبيه بشكل بارع ليساعده على إظهار خياله الخصب. فقد شبه عنق المرأة بعنق ظبية في حال رفعها عنقها، وشبه شعرها بالنخلة التي أخرجت ثمرها. ثم قال: إنها تتناول الأشياء ببنان لين ناعم غير غليظ، كأن الأنامل تشبه المساویك، وتضيء بنور وجهها ظلام الليل، فكأنها مصباح راهب منقطع عن الناس.
تتمثل براعة خياله بقوله:[٤]
وَجيدٍ كجيد الرِئمِ ليس بفاحشٍ
إِذا هِيَ نَصته ولا بِمعطلِ
وفَرعٍ يَزينُ المَتنَ أَسوَدَ فاحمٍ
أثيثٍ كَقنو النخلة المُتعثكلِ
غَدائِرُهُ مُستشزِراتٌ إِلى العُلاتَضِلُّ
العِقاصَ في مُثَنّىً وَمُرسَلِوتَعطو بِرَخصٍ
غَيرِ شَثْنٍ كَأنهُأَساريعُ ظَبيٍ أَو مَساويكُ إِسحلِ
تُضيء الظلامَ بِالعِشاءِ كأنهامنارةُ ممسى راهِبٍ مُتبتلِ
أقوال النقاد في شعر امرئ القيس
تعددت الآراء حول شعر امرئ القيس، وتفاوتت بين الإعجاب والتقدير والانتقاد. إلا أن معظم النقاد اتفقوا على أن امرأ القيس كان من أعظم شعراء العصر الجاهلي، وأنه ترك بصمة واضحة في تاريخ الأدب العربي. ومن بين الآراء التي قيلت في شعره:
- قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصح بصرًا.”
- قال ابن سلام: “إنّ امرأ القيس سبق العرب إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب، واتبعه فيها شعراء، منها: استيقاف صحبه، والبكاء على الديار، ورقة النسيب، وقُرْب المأخذ، وتشبيه بالظباء والبيض، والخيل بالعقبان، وهو أول من قيّد الأوابد وأجاد في التشبيه.”
- حكى البغدادي: “في خزانته عن بعض العلماء بالشعر، أنّ امرأ القيس أحسن الشعراء ابتداعًا.”
- قال الحُطيئة: “امرؤ القيس أشعر العرب.”