سمات شعر المديح في الفترة الجاهلية

نظرة فاحصة على شعر المديح في العصر الجاهلي: سماته، خصائصه، وأشكاله المتنوعة. استكشاف لأهم القيم التي عكسها هذا الشعر العريق.

لمحة عن شعر المديح في العصر الجاهلي

يعتبر المديح من أسمى أشكال التعبير عن الإعجاب والتقدير، وقد حظي بمكانة مرموقة في الشعر الجاهلي. اتسم المديح في تلك الحقبة بخصائص فريدة، مستوحاة من طبيعة البيئة الصحراوية القاسية التي عاش فيها العرب، ومن قيمهم الاجتماعية النبيلة. كان الهدف الأساسي من المديح هو الاحتفاء بالقيم الإنسانية الرفيعة، وتأصيلها في النفوس، فقد تغنى شعراء الجاهلية بالشجاعة، والكرم، وعزة النفس، وإكرام الضيف، ونقاء الأصل، وحماية الجار.

السمات المميزة لشعر المديح الجاهلي

يُعد المديح من أقدم الأغراض الشعرية في الأدب العربي، ويتميز الشعر الجاهلي بعدة سمات رئيسية:

  • التركيز على الفضائل والقيم النبيلة: يتناول المديح الجاهلي الصفات الحميدة كالشجاعة والكرم والإباء، وينبذ الصفات الذميمة كالجبن والبخل. يبرز ذلك الدور الهام الذي لعبه الشعر في تعزيز الأخلاق الحميدة، والتنشئة السليمة، ونشر الوعي بالقيم الإيجابية.
  • الصدق والعفوية في التعبير: يتميز المديح الجاهلي بالصدق والعفوية النابعة من القلب، حيث كان الشاعر يمدح من باب الإعجاب والتقدير للفضائل، حتى وإن بالغ في الوصف، فإن ذلك يعكس إعجابه الشديد بالممدوح.
  • المديح الجماعي للقبيلة: يغلب على الشعر الجاهلي المديح الجماعي للقبيلة والعشيرة، أكثر من المديح الفردي. كان الشعراء يرفعون من شأن قبائلهم، وكانت القبيلة تحتفل بولادة شاعر فيها، لأنه يرفع من مكانتها وهيبتها. بالإضافة إلى ذلك، اهتم الشعراء بمدح المدن والأحزاب والفرق.
  • جزء من القصيدة لا كلّها: عادةً ما يكون المديح جزءاً من القصيدة، وليس الغرض الوحيد لها. فالقصيدة الجاهلية غالباً ما تبدأ بالغزل والفخر، ثم تنتقل إلى المديح وأغراض أخرى. عُرفت القصيدة الجاهلية بتعدد أغراضها، وترتيب هذه الأغراض ترتيباً تقليدياً لا يخرج عنه الشاعر.
  • التحول نحو التكسب: في فترات لاحقة، تحول المديح إلى وسيلة للتكسب في بلاط الملوك، كملوك الغساسنة والمناذرة. كان هذا الأمر خلافاً لما عرفته العرب في حياتها البدوية، حيث كانت العلاقة بين الشاعر والقبيلة علاقة انتماء وولاء، وليست علاقة مصلحة ومنفعة.

أشكال المديح في الشعر الجاهلي

تميز الشعر الجاهلي بوجود اتجاهين رئيسيين في المديح:

  1. المديح الصادق والعفوي: وهو الاتجاه الأقدم والأصلي، حيث كان المديح تعبيراً عن اعتزاز الشاعر بالممدوح، وإعجابه بصفاته الحميدة. ومن الأمثلة على هذا النوع من المديح، ما قاله زهير بن أبي سلمى في هرم بن سنان، والحارث بن عوف، وذلك بعد تحملهما لديات القتلى في حرب داحس والغبراء، وحقنهما لدماء العرب.

    كما ورد في معلقة زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف بعد صلحهما بين عبس وذبيان وتحملهما ديات القتلى:

    “يَمِينًا لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدْتُمَا     عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيلٍ وَمُبْرَمِ”

    “تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَا     تَفَانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَمِ”

  2. المديح بهدف التكسب: وهو الاتجاه الذي يهدف إلى الحصول على المال والعطايا من خلال المديح. برز هذا الاتجاه بشكل خاص في الفترة التي ظهرت فيها الممالك في الجزيرة العربية، والتي كانت تتنافس في النفوذ والسلطة. كان الشعراء يقصدون بلاط ملوك هذه الممالك، ويتسابقون في مدحهم طمعاً في العطايا والنعيم، مثل ممالك الغساسنة والمناذرة. من الشعراء الذين اشتهروا بمدح الملوك النابغة الذبياني وحسان بن ثابت وغيرهما.

المراجع

  1. سراج الدين محمد، المديح في الشعر العربي، صفحة 8. بتصرّف.
  2. منتصر حمود جابر العوادي (16/10/2017)، “خصائص الشعر الجاهلي و موضوعاته”، جامعة بابل، اطّلع عليه بتاريخ 24/1/2022. بتصرّف.
  3. سراج الدين محمد، المديح في الشعر العربي، صفحة 9. بتصرّف.
  4. “الأدب في العصر الجاهلي”، جامعة أم القرى، اطّلع عليه بتاريخ 24/1/2022. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

السمات المميزة في شعر المتنبي

المقال التالي

سمات شعر الثناء في الحقبة العباسية

مقالات مشابهة