سمات شعر العباس بن الأحنف

استكشاف سمات شعر العباس بن الأحنف: الالتزام بالعفة والصدق، قوة الألفاظ والتراكيب، التشخيص الفني وتضمين الحوار، الإيقاع والموسيقى الشعرية.

القيم النبيلة في قصائده

تميز شعر العباس بن الأحنف بالعديد من الخصائص التي جعلته فريدًا بين شعراء الغزل في عصره. من أبرز هذه الخصائص، التزامه بالعفة والصدق في قصائده. كان يتجنب الألفاظ البذيئة والإيحاءات الفاحشة في الغزل، ولم يصف مفاتن المرأة ومحاسنها بطريقة شهوانية خليعة. كان يجالس أهل اللهو دون أن يقترب من منهجهم في التعامل مع المرأة.

قوة اللغة وجمال التعبير

جمع شعره بين قوة التعبير ورقة المعنى. لم تكن ألفاظه مبتذلة ولا صعبة وغريبة، بل كانت لغته سلسة وقوية في آن واحد. لم يبالغ في استخدام الألفاظ القوية كلغة القدماء، ولم يجعلها ركيكة، وذلك ليخدم هدفه الأساسي في الشعر وهو الغزل. كانت ألفاظه أشد قوة في باب الشكوى أو الأسى لما يعانيه قلبه من هجر المحبوبة. ومن جميل ما قال:

وَالله لَو أَنَّ القُلوبَ كَقلبِها ::: ما رَقَّ لِلوَلَدِ الصَغيرِ الوالِدُ

التجسيد الفني وإدراج الحوار

من مظاهر الغزل العذري في شعره، استحضاره اللطيف للمحبوبة وكأنها حاضرة أمامه، فيجسدها ويحاورها. كذلك، كان يجسد الألم والصبر والبكاء والوجع، ويحاورها. لم يكتف بذلك، بل أضاف إلى حواراته إجاباتها له. ومن بديع تصويره قوله:

إِذا ما دَعَوتُ الصَبرَ بَعدَكِ وَالبُكا ::: أَجابَ البُكا طَوعًا وَلَم يُجِبِ الصَبرُ

الإيقاع والموسيقى في شعره

امتاز شعره بإيقاع عذب ومميز يبهج القلب والأذن. كان الكثير من الناس يميلون إلى سماع أشعاره وترديد قصائده، وذلك لتوازن النغم والألحان الداخلية بين الكلمات، لتقارب مخارج الحروف المختارة لصياغة المفردات، كما في كلمتي “التفاح” و”الراح” في قوله:

ذَكَرتُكِ بِالتُّفّاحِ لَما شَمَمتُهُ ::: وَبِالراحِ لَما قابَلت أَوجُهَ الشَربِ
تَذَكَّرتُ بِالتُفّاحِ مِنكِ سَوالِفًا ::: وَبِالراحِ طَعمًا مِن مُقَبَّلَكِ العَذبِ

تفسير الأشياء بمنظور تصويري

كان شاعرنا يتمتع بثقافة واسعة، استغلها خير استغلال في شعره، فذكرها دون ابتذال أو تكلف. هو العاشق الذي تجرع مرارة الحب ولذته، وهو أدرى بالمحبوبة من نفسها، لكنه وضع نفسه موضع المفسر لما جهل، وذلك لكثرة معاشرته للمرأة ومعرفته بطريقة تفكيرها، كما في قوله:

ألا جاهلًا بالحب سلني عندي الخبر فإن مذاقه مر ومَشْرب صفوه الكدر

يظهر جليًا أن العباس بن الأحنف كان شاعرًا مجددًا لا مقلدًا، جمع بين الغزل العذري والتعدد، وألفاظه كانت تنبض بالحياة وتلامس شغف القارئ. فظرافة الروح انعكست على شعره، فقدم غزلًا خاصًا يعكس الحالة الاجتماعية للغزل.

ومن جميل قصائده:

إن شوقي إليك لو شئت أن يزداد لما وجدت مزيدا
ولو أن اللقاء من قبل أ ن يرتد طرفي رأيت ذاك بعيدا
احجبوا دونها الأماني وإني جاهد أعمل الرجاء وحيدا
فلو انّا نرى ظليمة يومًا لاتخذناه آخر العهد عيدا

نبذة عن العباس بن الأحنف

هو العباس بن الأحنف، من قوم العباس الذين هاجروا إلى خراسان. كانت آثار النعمة بادية عليه، وكان فصيح اللسان، آتاه الله جمال الخَلق والخُلق. كانت له حبيبة أطلق عليها اسم “فوز” حتى لا يصرح باسمها الحقيقي، ولأنها كانت تفوز بالكثير من السباقات، أطلق عليها أيضًا اسم “نصر”.

التزم لونًا واحدًا في الشعر، وكثر الغناء في شعره بسبب جزالة ألفاظه، ومتانة تراكيبه، وقوة تعبيره، ورقة معانيه، ففتح له باب شهرته في شعر الغزل باب قصر الخليفة العباسي الرشيد حتى غدا من ندمائه.

علامات تميز شعر العباس بن الأحنف

فيما يلي أبرز ما ميز شعر العباس بن الأحنف:

  • لم تكن تجربته الشعرية مجرد تقليد للعصر العباسي، بل كان له أسلوبه الخاص في كتابة الشعر.
  • لم يكن شعره عذريًا خالصًا، فلم يصرح بوحدانية المحبوبة، وفي الوقت نفسه لم يكن مغرمًا بالجواري والقيان كغيره من الشعراء، فكان يجمع بين الحب الطاهر البعيد عن الفواحش وبين تعدد المحبوبات.
  • لم يكن هجاءً أو مداحًا متكسبًا.
  • كان من الشعراء الذين تخصصوا في الغزل.
  • برع في التشبيهات والاستعارات والحوارات التمثيلية، وكانت عباراته صادقة تلامس القلب لأنها نابعة من القلب.

المراجع

  1. أبو عمر الطباع، ديوان العباس بن الأحنف، صفحة 8. بتصرّف.
  2. ديوان العباس بن الأحنف، “قالت مرضت فعدتها فتبرمت”.
  3. محمد صالح الخوالدة، حسام مصطفى اللحام، التصوير الاستعاري في شعر العباس بن الأحنف، صفحة 776. بتصرّف.
  4. ديوان العباس بن الأحنف، “إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكا”.
  5. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 376. بتصرّف.
  6. ديوان العباس بن الأحنف، “ذكرتك بالتفاح لما شممته”.
  7. محمد الخوالدة، حسام مصطفى اللحام، التصوير الاستعاري، صفحة 782. بتصرّف.
  8. ديوان العباس بن الأحنف، “أيا من وجهه قمر”.
  9. عمر فروخ، تاريخ الأدب العربي، صفحة 142. بتصرّف.
  10. ديوان العباس بن الأحنف، “إن شوقي إليك لو شئت أن يزداد”.
  11. عمر فروخ، تاريخ الأدب العربي، صفحة 142. بتصرّف.
  12. عمر الطباع، ديوان العباس بن الأحنف، صفحة 8. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

جماليات شعر الطبيعة في الأدب العربي

المقال التالي

السمات المميزة لشعر الغزل في الأدب العربي

مقالات مشابهة