سمات شعر الثناء في حقبة المماليك

استكشاف أبرز سمات شعر الثناء في عصر المماليك، أشهر الشعراء الذين نظموا فيه، ونماذج مختارة من قصائدهم.

مقدمة

تعتبر فترة حكم المماليك من الفترات التاريخية الهامة التي ازدهر فيها شعر الثناء بشكل ملحوظ. وتميز هذا النوع من الشعر بخصائص فريدة تعكس طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في تلك الحقبة.

أهم الخصائص المميزة لشعر المديح في عصر المماليك

تعددت السمات التي تميز شعر المديح في تلك الفترة، ومن أبرزها:

  • صدق التعبير: كان شعر المديح يعبر عن مشاعر حقيقية يكنها الشاعر تجاه الشخص الممدوح، وغالباً ما كان بعيداً عن التكلف أو الهدف المادي.
  • التركيز على القادة العسكريين: كان يوجه بشكل خاص إلى قادة المسلمين الذين حققوا انتصارات عظيمة، خاصة في مواجهة التتار وغيرهم.
  • تمجيد صفات القادة: كان يهدف إلى تخليد الصفات الحميدة في القادة المماليك، وعلى رأسهم سيف الدين قطز، وذلك نظير انتصاراتهم وإنجازاتهم.
  • تكريم أبطال المعارك: لم يقتصر المديح على القادة، بل امتد ليشمل جميع الجنود والمشاركين في الحروب ضد الروم والتتار، تقديراً لبسالتهم وتضحياتهم.
  • الإشادة برجال الدولة: كان يتضمن مدح رجال الدولة المملوكية، والإشادة بعدلهم وإنصافهم للرعية، ووصف تقواهم وورعهم.
  • تقدير رجال الدين: كان الشعراء يجلون رجال الدين ويقدرونهم، ويثنون عليهم في قصائدهم، معجبين بعلمهم وتقواهم.
  • المديح النبوي: كان التوجه نحو مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم جزءاً أساسياً من شعر المديح في تلك الفترة، تعبيراً عن الحب والتقدير للنبي الكريم.

أعلام شعراء المديح في حقبة المماليك

شهد عصر المماليك ظهور العديد من الشعراء الذين نبغوا في فن المديح، ومن أبرزهم:

  • شهاب الدين الحلبي: هو شهاب الدين أبو الثناء، ولد في حلب عام 644 هـ، ثم انتقل إلى دمشق مع والده الذي عُين قاضياً فيها. درس وتثقف في دمشق على أيدي العلماء، وأجاد الشعر ونظمه.
  • البوصيري: ولد عام 608 هـ، وتعلم النحو والصرف والأدب وحفظ القرآن الكريم. اتجه نحو التصوف وتلقى الطريقة على يد أبي العباس المرسي، وأبدع في الأدب والشعر، وخاصة في المديح النبوي.
  • صفي الدين الحلي: ولد عام 677 هـ، وكان يلقب بأبي المحاسن. يعود نسبه إلى قبيلة طي. ولد في العراق وتوفي في بغداد. برع في مجال المديح بشكل عام، والمديح النبوي بشكل خاص.

نماذج شعرية من المديح في زمن المماليك

تزخر الفترة المملوكية بالعديد من القصائد التي تنتمي إلى غرض المديح، ومن أبرزها:

قصيدة “والعصر إن عداك في العصر”:

وَالعَصرِ إنَّ عدَاك في العَصرِ
وقد انتَهَوا لِهدَاية الخسرِ
ظلموا فما أبقوا لهم وَزَراً
يُنجى ولا سَلمُوا من الوِزرِ
ظهروا لنورك وهو شَمسُ ضُحىً
فتضاءلوا كتَضَاؤل الذَّرِّ
مكروا وقد مكرَ الإلهُ بهم
شَتَّانَ بين المَكرِ والمَكرِ
دَعهُم فلا بَرح التَّغَابُن منحَسَد
يُوَاصلهم إلى الحشرِ
وانشد إذا ما زرت تُربَتَهُم
مُتَهَكِّماً في السِّرِّ والجَهرِ
ماتوا بغيظهمُ وما ظَفرُوا
بمرادهم واضَيعَةَ العُمرِ
ومن العجائب كَونُهُم جهلوا
أن العلوم وديعهُ الصَّدرِ
لولا أخاف اللَه قلتُ لمني
روى مديحك اتلُ يا مُقرِي
حَجَّت لك العافونَ فازدحموا
كتزاحم الآمال في الفكرِ
نالوا المَنَى جنابك فاختاروا
المُقَامَ بها على النَّفرِ

قصيدة “محمد أشرف الأعراب والعجم”:

مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرٌ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
مُحَمَّدٌ باسِطُ المَعْرُوفِ جَامِعَةً
مُحَمَّدٌ صاحِبُ الإِحْسانِ والكَرَمِ
مُحَمَّدٌ تاجُ رُسْلٍ اللهِ قاطِبَةً
مُحَمَّدٌ صادِقُ الأٌقْوَالِ والكَلِمِ
مُحَمَّدٌ ثابِتُ المِيثاقِ حافِظُهُ
مُحَمَّدٌ طيِّبُ الأخْلاقِ والشِّيَمِ
مُحَمَّدٌ خُبِيَتْ بالنُّورِ طِينَتُهُ
مُحَمَّدٌ لَمْ يَزَلْ نُوراً مِنَ القِدَمِ
مُحَمَّدٌ حاكِمٌ بالعَدْلِ ذُو شَرَفٍ
مُحَمَّدٌ مَعْدِنُ الإنْعامِ وَالحِكَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ مِنْ مُضَرٍ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ رُسْلِ اللهِ كُلِّهِمِ
مُحَمَّدٌ دِينُهُ حَقَّ النَّذِرُ بِهِ
مُحَمَّدٌ مُجْمَلٌ حَقَاً عَلَى عَلَمِ
مُحَمَّدٌ ذِكْرُهُ رُوحٌ لأَنْفُسِنَا
مُحَمَّدٌ شُكْرُهُ فَرْضٌ عَلَى الأُمَمِ
مُحَمَّدٌ زِينَةُ الدُّنْيَا ومُهْجَتُهَا
مُحَمَّدٌ كاشِفُ الغُمَّاتِ وَالظُّلَمِ
مُحَمَّدٌ سَيِّدٌ طابَتْ مناقِبُهُ
مُحَمَّدٌ صاغَهُ الرَّحْمنُ بِالنِّعَمِ
مُحَمَّدٌ صَفْوَةُ البارِي وخِيرَتُهُ
مُحَمَّدٌ طاهِرٌ ساتِرُ التُّهَمِ
مُحَمَّدٌ ضاحِكٌ لِلضَّيْفِ مَكْرُمَةً
مُحَمَّدٌ جارُهُ واللهِ لَمْ يُضَمِ
مُحَمَّدٌ طابَتِ الدُّنيا ببِعْثَتِهِ
مُحَمَّدٌ جاءَ بالآياتِ والْحِكَمِ
مُحَمَّدٌ يَوْمَ بَعْثِ النَّاسِ شَافِعُنَا
مُحَمَّدٌ نُورُهُ الهادِي مِنَ الظُّلَمِ

قصيدة “يا من له راية الأعداء قد رفعت”:

يا مَن لَهُ رايَةُ العَلياءِ قَد رُفِعَت
إِنَّ العُداةَ بِنا لَمّا نَأَيتَ سَعَوا
وَقَد أَداروا لَنا بِالسوءِ دائِرَةً
مِنَ النَكالِ وَإِن لَم تَرفُها اِتَّسَعَت
أَراقِمٌ لينُها عَن غَيرِ مَقدِرَةٍ
لِذاكَ إِن أَمكَنَتها فُرصَةٌ لَسَعَت
إِنَّ الصُدورَ الَّتي بِالغِلِّ مُشحَنَةٌ
لَو قُطِّعَت بِلَهيبِ النارِ ما رَجَعَت
وَكَيفَ تَهواكَ أَطفالاً عَلى ظَمَإٍ
رُمتَ الفِطامَ لَها مِن بَعدِ ما رَضَعَت
تَبَسَّمَت لَكَ وَالأَخلاقُ عابِسَةٌ
إِنَّ القُلوبِ عَلى البَغضاءِ قَد طُبِعَت
تَفَرَّقَت فِرَقاً مِن خَوفِ بِأَسِكُمُ
حَتّى إِذا أَمِنَت مِن كَيدِكَ اِجتَمَعَت
وَحاذَرَت سَطَواتٍ مِنكَ عاجِلَةً
عِندَ القُدومِ فَمُذ أَمهَلتَها طَمِعَت
وَطالَعَت بِأُمورٍ لَيسَ تَعرِفُها
وَلا أَحاطَت بِها خُبراً وَلا اِطَّلَعَت
فَكَيفَ لَو عايَنَت أَمراً تُحاذِرُهُ
إِن كانَ فَعلٌ لَها عَن بَعضِ ما سَمِعَت

المراجع

  • نبيل أبو علي،المعطى الدلالي لشعر المديح في عصر المماليك، صفحة 153. بتصرّف.
  • حسين بعيوي،شهاب الدين الحلبي وجهوده الأدبية، صفحة 2. بتصرّف.
  • حسن حسين،كتاب ثلاثية البردة بردة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 49. بتصرّف.
  • صفي الدين الحلي ،ديوان صفي الدين الحلي، صفحة 5. بتصرّف.
  • “والعصر إن عداك في العصر”، الديوان، تم الاطلاع بتاريخ 25/2/2022.
  • “محمد أشرف الأعراب”، الديوان، تم الاطلاع بتاريخ 25/2/2022.
  • “يا من له”، الديوان، تم الاطلاع بتاريخ 25/2/2022.
Total
0
Shares
المقال السابق

سمات شعر المديح

المقال التالي

سمات شعر المعلقات: تحليل شامل

مقالات مشابهة

أبرز أعمال الشاعر الفرزدق

تُعدّ أشعار الفرزدق أحد أهمّ ركائز الشعر العربي في العصر الأموي، وقد اشتهر بشعر الهجاء والمدح والفخر، وترك إرثاً أدبياً غنياً يدرس حتى يومنا هذا. تعرّف على أبرز إنجازات الفرزدق وحياته وأهمّ خصائص شعره.
إقرأ المزيد