مقدمة
تعتبر معرفة تصنيف السور القرآنية إلى مكية ومدنية من العلوم المهمة المتعلقة بالقرآن الكريم. السور المكية هي تلك التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل هجرته من مكة إلى المدينة، سواء نزلت في مكة نفسها أو خارجها. هذا التقسيم معتمد عند علماء القرآن. الهدف من دراسة سمات السور المكية هو فهم الخصائص التي تميزها من حيث الألفاظ، الأسلوب، المواضيع، والأهداف عن السور المدنية.
هذه السمات التي سيتم ذكرها لاحقًا هي نتيجة دراسات معمقة قام بها العلماء لسور القرآن الكريم، حيث بحثوا في محتوياتها وأساليبها. استخلصوا من خلال هذا البحث خصائص مميزة للسور المكية وأخرى للسور المدنية. في هذا المقال، سنعرض مجموعة من هذه السمات التي تتميز بها السور المكية. تتميز هذه السور بالتركيز على أصول الدين، أركان الإيمان، الأخلاق الحميدة، والتنديد بالعادات الجاهلية، مع استخدام أسلوب يعتمد على قصر الفواصل، الإيجاز، والقسم.
السمات الجامعة للسور المكية
السور المكية هي التي نزلت قبل الهجرة النبوية، وتتميز بمجموعة من الخصائص التي تعكس طبيعة المرحلة المكية والتحديات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الأوائل.
الخصائص الموضوعية للسور المكية
نزلت السور المكية في فترة كان المجتمع المكي غارقًا في عبادة الأصنام والعادات الجاهلية مثل الظلم، أكل أموال اليتامى، وغيرها. لذلك، تتميز هذه السور بخصائص مميزة تخاطب قلوبًا مشركة، وتعكس طبيعة تلك المرحلة والمعاناة التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم من رفض الكافرين للإسلام ومحاربتهم له، بالإضافة إلى التحديات التي واجهها في سبيل الدعوة.
يمكن تلخيص أهم الخصائص الموضوعية للسور المكية في النقاط التالية:
- الدعوة الصريحة إلى توحيد الله تعالى وعبادته وحده دون شريك، وترك عبادة كل ما سواه من معبودات المشركين.
- تأكيد رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مرسل من الله تعالى ومؤيد بالقرآن الكريم.
- التأكيد على البعث، الجزاء، واليوم الآخر وأهواله والحساب.
- وصف الجنة ونعيمها وما ينتظر المؤمنين من خيرات.
- وصف النار وعذابها وما ينتظر الكافرين من عقاب.
- مناقشة المشركين بالأدلة العقلية والبراهين المستمدة من الكون المشاهد.
- وضع الأسس العامة للتشريع الإسلامي.
- إرساء المبادئ الأساسية للأخلاق والقيم الفاضلة.
- ذكر مساوئ المشركين وعاداتهم الجاهلية مثل وأد البنات وأكل الربا وأكل أموال اليتامى.
- ذكر قصص الأنبياء السابقين لتثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتذكير الكافرين بعاقبة المكذبين. وفي هذا، تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى يطمئن لموعود الله بنصره، ومواساة له، وزجر للكافرين حتى يتعظوا بمصير من سبقهم.
- تحتوي على قصة آدم عليه السلام وإبليس، باستثناء سورة البقرة.
السمات الأسلوبية للسور المكية
تتميز السور المكية بمجموعة من الخصائص الأسلوبية التي تميزها عن السور المدنية. يكاد المرء أن يخمن ما إذا كانت السورة مكية أم مدنية من خلال أسلوبها. هذه الخصائص هي نتيجة لتحليل العلماء للسور واستنباط سماتها. نذكر بعضًا منها فيما يلي:
- قصر الآيات: تتميز آياتها بالقصر. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى*أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى*أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى*فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى). [سورة عبس: 1-6]
- قوة الألفاظ مع الإيجاز: تتميز بقوة الألفاظ مع الإيجاز في التعبير. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ). [سورة عبس: 17-22]
- كثرة القسم: تكثر فيها أساليب القسم. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا* فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا* وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا* فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا* فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا* عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ). [سورة المرسلات: 1-6]
- وجود لفظ “كلا”: لم يرد لفظ “كلا” إلا في السور المكية. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ). [سورة المعارج: 39]، وقوله تعالى: (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ). [سورة النبأ: 1-2]
- السجدات: كل سورة فيها سجدة هي سورة مكية. وهي خمس عشرة سجدة في سور هي: الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، وفي الحج سجدتان، والفرقان، والنمل، والسجدة، وفصلت، والنجم، والانشقاق، واقرأ باسم ربك، وص. ومثال على السجدة قوله تعالى في سورة مريم: (وَمِمَّن هَدَينا وَاجتَبَينا إِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُ الرَّحمـنِ خَرّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا). [سورة مريم: 58]
- افتتاح السورة بحروف التهجي: هو خاص بالسُّور المكيَّة، باستثناء البقرة وآل عمران. منها قوله تعالى: (الم) في فواتح سورة العنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة، و قوله تعالى: (الر) في فواتح سورة يونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر، وغيرها من حروف التهجّي.
- النداء بـِ (ياأيها الناس) و (يا بني آدم): وهذا النِّداء يكون في الغالب في السُّور المكيَّة. منها قوله تعالى في سورة يونس: (يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ). [سورة يونس: 57]