مقدمة عامة
لقد جعل الله تعالى من حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة ومثلاً أعلى للعالمين. لقد تميزت سيرته بصفات فريدة لم تتوفر في الرسالات السابقة. فالرسالات السابقة لم تحافظ على أصولها وتعرضت للتحريف والتبديل، مما يدل على أنها كانت مخصصة لفترة معينة وأمة محددة. ولكن مع ظهور الرسالة الخاتمة، أغنى الله تعالى البشرية عن الحاجة إلى الرسالات الأخرى، ومنحها أحكامًا شاملة تنظم جميع جوانب الحياة. فيما يلي بعض أبرز سمات الرسالة المحمدية:
المنشأ الرباني
من أبرز الخصائص التي تميز الرسالة المحمدية أنها ذات منشأ رباني وهدف رباني. فغاية الرسالة هي نيل رضا الله تعالى، ومصدرها هو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. لقد حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة وبلغها بأمر من الله تعالى، حيث قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4].
واستناداً إلى هذين المصدرين، وضع العلماء أصولاً أخرى للتشريع مثل الإجماع والاستصحاب والقياس والاستحسان وغيرها. فالرسالة المحمدية تهدف إلى تحقيق رضا الإنسان، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1]. لقد وضع الشارع أحكاماً تضمن للإنسان السعادة والرضا في الدنيا والآخرة، وجميع أحكام الرسالة متوافقة مع الفطرة الإنسانية واحتياجاتها.
شمولية الرسالة
تتميز الرسالة المحمدية بشموليتها وعالميتها، فهي رسالة صالحة للبشرية جمعاء على اختلاف أعراقهم وأجناسهم. وقد تجسدت هذه الخاصية في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة.
بعد تأسيس الدولة الإسلامية، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم السفراء إلى القادة والزعماء لدعوتهم إلى التمسك بالدين وتطبيقه لنيل النجاة والسعادة في الدارين. وقد دل قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، على عالمية الرسالة المحمدية.
وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الدين الإسلامي قد نزل للعالم أجمع في قوله: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً). فرسالة النبي صلى الله عليه وسلم موجهة للناس كافة.
ملاءمة الرسالة لكل العصور والأماكن
أرسل الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، فهو ليس كغيره من الأنبياء الذين أرسلوا لقوم معينين أو لطائفة معينة، إنما جعله تعالى نذيراً للناس جميعهم. وقد بين الله تعالى في العديد من مواضع القرآن الكريم أن الرسالة التي جاء بها نبيه محمد رسالة عالمية صالحة لكل زمان ومكان، وتناسب جميع البشر على اختلاف أحوالهم.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]. فالشريعة الإسلامية تناسب البشر جميعهم في أي وقت وزمان، والتشريعات التي وضعها الشارع تصلح لكل زمان ولجميع الأمم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفْسُ محمدٍ بيدِهِ، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ، لا يهودِيٌّ، و لا نصرانِيٌّ، ثُمَّ يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كان من أصحابِ النارِ). فكل من وصلته دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ملزم باتباعها، فهي شريعة مرنة يسهل تطبيقها في أي وقت وزمان.
يسر الفهم والتطبيق
تمتاز الشريعة الإسلامية باليسر والسهولة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ). فقد دعا الإسلام إلى الرفق واللين في العمل، فالرسالة المحمدية سهلة في التطبيق وواضحة في الفهم، فلم يجعل الله تعالى مشقة على عباده، وأمرهم بالرفق في أمرهم كله، فالدين الإسلامي هو دين يسر وسهولة.
الخاتمة للرسالات
آخر ما ميز الله تعالى به الرسالة المحمدية عن غيرها، هي أنها خاتمة للرسالات السماوية، فلا دين بعد الإسلام، ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ولا رسالة بعد رسالته، حيث قال الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فُضِّلْتُ علَى الأنْبِياءِ بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ طَهُورًا ومَسْجِدًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخَلْقِ كافَّةً، وخُتِمَ بيَ النَّبِيُّونَ). وهذه الخاصية تؤكد على ما سبق من كون الرسالة المحمدية عامة لجميع الناس.
المصادر والمراجع
- أبسليمان الندوي، الرسالة المحمدية، صفحة 178.
- أبمنقذ السقار، تعرف على الإسلام، صفحة 39.
- أبتراغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 1.
- أبمحمد يسري إبراهيم، فقه النوازل للأقليات المسلمة، صفحة 168.
- أبمحمد طاهر الجوابي، المجتمع والأسرة في الإسلام، صفحة 37.
- أبن بطال، شرح صحيح البخارى لابن بطال، صفحة 96.
- أبعثمان جمعة ضميرية، مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، صفحة 22.
دور الإسلام في تقويم المجتمع
تضمنت رسالة الإسلام التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم نظاماً متكاملاً لإصلاح المجتمع وتنظيمه. فكما ذكر سابقاً، الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في جميع العصور، وبناءً على ذلك وضع الشارع أنظمة ثابتة لا تتغير في جميع مناحي الحياة، وجميعها تسعى إلى تنظيم المجتمع وإصلاحه.
ولا يتم اللجوء إلى القوانين الوضعية إلا في حال عدم وجود نص لحادثة ما في المجتمع الإسلامي، على أن تتوافق مع روح الشريعة الإسلامية. فقد نظم الإسلام المعاملات اليومية والدنيوية كالصناعة والزراعة، ونظم المعاملات المالية كالصرف والبيع والإجارة.
ولم يهمل الجانب الاجتماعي أيضاً، حيث نظم الزواج والتعليم وما يتعلق بهما من أحكام. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من إحداث أي تغيير على الأحكام التي شرعها الله تعالى، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ). فقد جاءت الشريعة بجميع الأحكام التي تضمن تنظيم المجتمع وحياة الأفراد.