تعريف التدوين الشخصي في الأدب العربي
لم يستخدم العرب قديماً مصطلح “التدوين الشخصي” بشكل مباشر. للتعمق في هذا الفن الأدبي لديهم، يجب البحث فيما يعرف بـ “الترجمة الذاتية”. كتب القدماء نصوصًا قريبة من الترجمة الذاتية، لكنهم لم يعرفوا هذا المصطلح إلا في القرن السابع الهجري، عندما ذكره “ياقوت” في معجمه بمعنى “سيرة حياة الفرد”.
يهتم الباحثون بتتبع تطور الترجمة الذاتية (التدوين الشخصي)، حيث توجد أشكال متعددة لتوثيق حياة الفرد عند العرب، وأهمها “السيرة”، وهي سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هذا لم يمنع وجود سير أخرى، مثل سيرة “معاوية وبني أمية”، وسيرة “ابن إسحاق”. ثم تنوعت أنواع التراجم بعد ذلك، فظهر “الجرح والتعديل” و”الطبقات”، ثم التراجم التي جاءت بعد عصر الرواية والتدوين.
تجدر الإشارة إلى أن بعض التراجم في تلك العصور احتوت على عناصر فنية وأدبية تجعلها قريبة من التدوين الشخصي في العصر الحديث، مثل تلك التي كتبها “المؤيد” و”ابن الهيثم” و”الرازي” و”ابن خلدون”. هذه الكتابات تتميز بعوامل تحقق المتعة الأدبية، ومنها:
- أسلوب واضح وسهل.
- إيجاز محكم وعبارة عذبة.
- عرض جيد.
- سلاسة السرد القصصي.
- صراحة وصدق وتجرد.
- اهتمام بإثبات الزمان والمكان، والكشف عن أسماء الشخصيات والأماكن.
- القدرة على استعادة الماضي وإضفاء الحياة والحركة والحرارة على تصوير الأحداث والتجارب والشخصيات.
الخصائص المميزة للتدوين الشخصي الحديث
يتجه فن كتابة التدوين الشخصي في العصر الحديث نحو فهم نفسية القارئ والبحث عن ما يزيد من المتعة الأدبية عنده، دون الإخلال بالخصائص أو الأهداف العامة للعمل الأدبي. يعتبر التدوين الشخصي الذي كتبه “الشدياق” مثالًا جيدًا للتدوين الشخصي الحديث، لما فيه من صدق وموضوعية وجرأة على البوح والاعتراف. وقد وصفه البعض بأنه تدوين شخصي مكتمل البناء، حيث يتميز بما يلي:
- يتضمن إشارات إلى الجديد من الفكر والثقافة.
- يلفت الانتباه إلى أهمية التعرف على أنماط جديدة من الحياة في الغرب، تختلف عن تلك الموجودة في الشرق.
- يقدم الأحداث المهمة، فالهدف ليس تتبع تفاصيل حياة الكاتب، بل إلقاء الضوء على التفاصيل ذات المعاني القيمة.
يخلص النقاد والمحللون إلى أن التدوين الشخصي في العصر الحديث له شروط يجب تحقيقها؛ لأنها تعمل على إبراز خصائص التدوين الشخصي الحديث، ومنها:
- أن يكون له بناء واضح، بحيث يرتب الكاتب الأحداث والمواقف والشخصيات التي مر بها، ويصوغها صياغة أدبية محكمة.
- وجود الصراع في التدوين الشخصي، وهذا يعني أن الحكم على هذا التدوين مرتبط بعمق الصراع الداخلي وشدة الصراع الخارجي؛ مما يجذب القارئ ويزيد تعاطفه.
- محاولة الصدق والصراحة والأمانة والتجرد في تصوير الماضي.
- وجود الدوافع في التدوين الشخصي أمر مؤكد، سواء صرح بها الكاتب أم لم يصرح.
- يجب أن يكون بطل التدوين الشخصي شخصًا متميزًا في ناحية من النواحي.
المصادر
- يحي إبراهيم عبد الدايم،الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، صفحة 31. بتصرّف.
- يحي إبراهيم عبد الدايم،الترجمة الذاتية في الأدب العربي، صفحة 30. بتصرّف.
- يحي إبراهيم عبد الدايم،الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، صفحة 38 – 39. بتصرّف.
- وفاء يوسف زبادي،الأجناس الأدبية في كتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق، صفحة 180 – 181. بتصرّف.
- سيد إبراهيم آرمن،السيرة الذاتية وملامحها في الأدب العربي المعاصر، صفحة 19-20-21 . بتصرّف.