المحتويات
رأي المذاهب الأربعة في خبر الآحاد
تعد الأحاديث النبوية الشريفة التي نقلها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مصدراً أساسياً للتشريع، وتنقسم إلى أقسام متعددة، من بينها ما يُعرف بخبر الآحاد. وقد اختلفت آراء أئمة المذاهب الأربعة حول كيفية التعامل مع خبر الآحاد وشروط قبوله، وفيما يلي تفصيل لهذه الآراء:
موقف المذهب الحنفي من خبر الآحاد
وضع علماء المذهب الحنفي ثلاثة شروط لقبول خبر الآحاد والعمل به، وهي:
- أن لا يخالف فعل الراوي ما يرويه: وقد ظهر ذلك في بعض المواقف مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه.
- أن لا يكون محور الحديث من الأمور التي تعم بها البلوى، إلا إذا كان الحديث مشهوراً.
- إذا لم يكن الراوي فقيهاً، يجب ألا يخالف الحديث الأصول الشرعية والقواعد العامة للشريعة.
موقف المذهب المالكي من خبر الآحاد
يشترط أصحاب المذهب المالكي لقبول خبر الآحاد ألا يكون مخالفاً لعمل أهل المدينة المنورة، وذلك لأن عمل أهل المدينة يعتبر بمثابة الحديث المتواتر، ومن المعلوم أن الحديث المتواتر يقدم على خبر الآحاد في الاستدلال.
موقف المذهب الشافعي من خبر الآحاد
يشترط علماء المذهب الشافعي أربعة شروط أساسية لقبول رواية الراوي لخبر الآحاد، وهي:
- أن يكون الراوي ثقة في دينه، معروفاً بالصدق والأمانة في نقل الحديث.
- أن يكون الراوي عاقلاً وواعياً لما يرويه، وفاهماً لمعناه.
- أن يكون ضابطاً لما يرويه، أي حافظاً ومتقناً للحديث.
- أن يكون الخبر الذي يرويه متوافقاً مع روايات أهل العلم بالحديث، وغير مخالف لها.
موقف المذهب الحنبلي من خبر الآحاد
يشترط أتباع المذهب الحنبلي لقبول خبر الآحاد شروطاً مشابهة إلى حد كبير لشروط المذهب الشافعي. ومع ذلك، فإن الحنابلة يخالفون الشافعية في قبول الحديث المرسل، بينما الشافعية لا يقبلون به.
توضيح معنى خبر الآحاد
يُعرّف حديث الآحاد بأنه الحديث الذي لم يستوفِ شروط الحديث المتواتر، سواء كان عدد رواته واحداً أو أكثر. وشروط الحديث المتواتر هي أن يرويه عدد كبير من الرواة بحيث يستحيل عقلاً تواطؤهم على الكذب، وأن تكون هذه الكثرة موجودة في جميع طبقات السند، وأن يكون مستند خبرهم الحس، مثل قولهم: سمعنا أو أخبرنا أو حدثنا. فإذا فقد شرط من هذه الشروط، أصبح الحديث آحاداً.
أصناف أخبار الآحاد
وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تصنف كأحاديث آحاد، أي أنها رويت عن طريق راو واحد أو اثنين فقط، ومن أمثلتها:
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-:(الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ).
- قال رسول الله -صلى الله عليهِ وسلّم-:(إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إذَا شَرِبَ الكَلْبُ في إنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا).
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-:(لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ).
- (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنَتَ شهرا يدعو عليهم ثم تركَ فأما في الصبحِ فلم يزلْ يقنتُ حتى فارقَ الدنيا).
تصنيفات حديث الآحاد
يمكن تقسيم خبر الآحاد إلى ثلاثة أنواع بناءً على عدد الطرق والروايات التي وصلتنا، وهي:
- الغريب: وهو الحديث الذي رواه شخص واحد فقط في أي طبقة من طبقات السند. ويصفه علماء الحديث بأنه “فرد”. ومثال عليه حديث “الأعمال بالنيات”، الذي تفرد بروايته سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
- العزيز: وهو الحديث الذي يرويه اثنان عن اثنين في كل طبقة من طبقات السند، حتى ولو كان ذلك في طبقة واحدة فقط. ولا يمنع وجود أكثر من اثنين في بعض طبقات السند، فالمعيار هو تحقيق التثنية في إحدى الطبقات.
- المشهور: ويسمى أيضاً المستفيض، وهو الحديث الذي له طرق متعددة، تزيد عن اثنين، ولكنها لم تصل إلى حد التواتر.
براهين من القرآن على قبول خبر الآحاد
توجد عدة آيات قرآنية تدل على حجية خبر الآحاد وأهمية العمل به، ومنها:
- قال الله -تعالى-:(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طائفة لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ). (سورة التوبة، آية:122) وتدل الآية على أن الطائفة قد تكون شخصاً واحداً أو أكثر.
- قال الله -تعالى-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ). (سورة النساء، آية:59) وتشير هذه الآية إلى ضرورة الرجوع إلى شخص واحد لأخذ الدين والعلم، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.