أهمية مرحلة الطفولة في الإسلام
تمثل فترة الصغر حجر الزاوية في تكوين شخصية الفرد، فهي المرحلة التي تتشكل فيها المبادئ والقيم، وتترسخ فيها الأخلاق والسلوكيات. لقد أولى الإسلام اهتمامًا بالغًا بحقوق الصغير، وسعى إلى توفير بيئة حاضنة وصالحة لنموه وتطوره، وذلك بهدف بناء جيل واعٍ ومسؤول، وقادر على المساهمة في نهضة المجتمع ورقيه. فمن خلال توفير الرعاية المناسبة والاهتمام اللازم، نضمن تنشئة أفراد أسوياء قادرين على مواجهة تحديات الحياة وتحقيق النجاح والازدهار.
حقوق الصغير قبل الولادة
يولي الإسلام اهتمامًا بالغًا بالصغير حتى قبل ولادته، حيث يحرص على توفير جميع الظروف المناسبة لنموه وتطوره داخل رحم الأم. وتشمل هذه الحقوق ما يلي:
الاختيار السليم للوالدين
إن أساس التنشئة السليمة يبدأ بحسن اختيار الزوج والزوجة، فالزواج في الإسلام ليس مجرد ارتباط عاطفي، بل هو شراكة تقوم على أسس متينة من الدين والأخلاق والقيم النبيلة. وقد حث النبي محمد صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة، فقال: (تُنْكحُ المرأةُ لأربعٍ: لمالِها، ولحسبِها، ولجمالِها، ولدينِها، فاظفر بذاتِ الدِّينِ تربت يداكَ) [صحيح]. كما حث على اختيار الزوج صاحب الدين والخلق، فعَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) [حسن صحيح]. فاختيار الشريك المناسب يضمن بيئة أسرية مستقرة وصحية، مما ينعكس إيجابًا على تنشئة الصغير.
المحافظة على حياة الجنين وصحته
يعتبر الإسلام الجنين كائنًا حيًا له كامل الحق في الحياة، ويحرم الاعتداء عليه أو إجهاضه بعد نفخ الروح فيه إلا لضرورة قصوى. وقد قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) [الأنعام: 151]. ويشدد الفقهاء على حرمة الإجهاض غير المبرر، ويعتبرونه جريمة يعاقب عليها القانون، وذلك حفاظًا على حق الجنين في الحياة.
الرعاية الصحية للأم والجنين أثناء الحمل
يولي الإسلام اهتمامًا خاصًا بصحة الأم الحامل، ويوصي بتوفير جميع سبل الرعاية الصحية والتغذية السليمة لها، وذلك لضمان سلامتها وسلامة جنينها. كما ينهى عن تعريضها لأي مخاطر قد تؤثر على صحتها أو صحة جنينها، سواء كانت جسدية أو نفسية.
الاهتمام بالصحة النفسية للأم
تعتبر الصحة النفسية للأم الحامل من الأمور الهامة التي يجب الاهتمام بها، فالأمومة تتطلب استقرارًا عاطفيًا ونفسيًا، فالاضطرابات النفسية التي تعاني منها الأم قد تؤثر سلبًا على الجنين. لذلك، يجب على الزوج والأهل توفير الدعم النفسي والمعنوي للأم، وإبعادها عن كل ما يسبب لها القلق والتوتر.
الحفاظ على الحق المالي للجنين
يضمن الإسلام للجنين حقه في الميراث، ويحرص على وصول نصيبه كاملاً إليه بعد وفاة أحد الوالدين أو كليهما. وقد وضع الفقهاء آليات واضحة لحساب نصيب الجنين في التركة، وتخصيص جزء من المال لحين ولادته، وذلك حفاظًا على حقوقه المالية وضمان مستقبل آمن له.
حقوق الصغير بعد الولادة
بعد الولادة، تستمر حقوق الصغير في الإسلام، وتتنوع لتشمل جوانب مختلفة من حياته، وذلك بهدف ضمان نموه السليم وتطوره المتكامل. وتشمل هذه الحقوق ما يلي:
المحافظة على حياة الطفل
يحرم الإسلام قتل الأطفال أو التخلص منهم بأي شكل من الأشكال، ويجعل ذلك جريمة عظيمة يعاقب عليها القانون. وقد ورد في القرآن الكريم: ( وَإِذا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَىِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [التكوير: 8-9]. فالإسلام يحمي حق الطفل في الحياة، ويمنع أي اعتداء عليه أو تقليل من شأنه.
اختيار اسم حسن للطفل
يعتبر اختيار الاسم الحسن للطفل من حقوقه الأساسية، فالاسم يرافقه طوال حياته، ويعبر عن هويته وشخصيته. لذلك، يجب على الوالدين اختيار اسم يحمل معنى طيبًا، ولا يحمل أي دلالات سلبية أو مسيئة. وينصح الإسلام بتجنب الأسماء التي تحمل معاني الشرك أو الكفر، والأسماء التي تدل على التكبر والغرور.
الفرح والابتهاج بمولده
حث الإسلام على إظهار الفرح والسرور بمولد الطفل، سواء كان ذكرًا أو أنثى، فالأطفال هم نعمة من الله تعالى، ويجب استقبالهم بالحب والتقدير. ومن مظاهر الفرح بمولد الطفل ذبح العقيقة عنه، وتوزيعها على الأقارب والمحتاجين، وحلاقة شعره والتصدق بوزنه فضة.
التنشئة السليمة
تقع على عاتق الوالدين مسؤولية تنشئة الطفل تنشئة سليمة، وتعليمه الأخلاق والقيم النبيلة، وتأديبه وتهذيبه. ويجب على الوالدين توفير بيئة أسرية مستقرة وآمنة للطفل، وتعليمه تعاليم الدين الإسلامي، وتشجيعه على فعل الخير وتجنب الشر. كما يجب عليهما الاهتمام بتعليمه وتثقيفه، وتنمية مواهبه وقدراته.