لمحة تاريخية عن أزياء العروض المسرحية
تعتبر الأزياء جزءًا لا يتجزأ من العروض المسرحية، حيث تساهم بشكل كبير في فهم الجمهور للشخصيات والسياق الدرامي. إن البحث في تاريخ المسرح يكشف أن أزياء المسرحيات أصبحت ذات أهمية خاصة مع مسرحيات شكسبير؛ حيث شكلت الأزياء عاملًا بصريًا ومهمًا للغاية لمساعدة الجمهور على فهم تفاصيل الشخصية. إلا أن جذور هذا الفن تعود إلى أبعد من ذلك، وتحديدًا إلى الاحتفالات اليونانية القديمة.
الأزياء المسرحية في اليونان القديمة
تعود البدايات الأولى للأزياء المسرحية إلى القرن السادس قبل الميلاد في اليونان، حيث ابتكر الشاعر والكاتب المسرحي ثيسبيس ما عُرف بـ “أردية ثيسبيس”. كانت تقام مسابقات الدراما سنويًا في أثينا، وكان الأثينيون ينفقون ببذخ على الإنتاج والأزياء للمشاركة فيها. بعد ذلك، قام الكاتب المسرحي إسخيلوس بتصميم الزي التقليدي للتراجيديا اليونانية، والمخصص للاستخدام في العروض المسرحية فقط.
الأزياء المسرحية في العصور الوسطى
في العصور الوسطى، اتخذت الكنيسة ثيابها كأزياء للعروض المسرحية، نظرًا لأن المسرحيات كانت تُعرض داخل الكنائس، وتعيد سرد قصص حياة القديسين. كان يؤدي هذه المسرحيات رجال الدين والممثلون. احتفظت الكنيسة بقوائم جرد للملابس المصنوعة والمشتراة لهذا الغرض، والتي كانت تتضمن جلودًا وأردية بسيطة وأغطية للرأس. حتى بعد انتقال العروض إلى خارج الكنيسة، بقيت الملابس الكهنوتية هي الخيار الرئيسي للأزياء.
الأزياء المسرحية في عصر النهضة
شهد عصر النهضة تطورًا ملحوظًا في المسرح العلماني، وازدهر منذ بداية القرن الرابع عشر. كانت تُقام سلسلة من العروض المسرحية خلال المناسبات والاحتفالات، خاصة عند دخول الحاكم إلى المدينة مع حاشيته، مثل اللوحات الحية والعروض التمثيلية الصامتة. تم اعتماد أزياء خاصة لمسرحيات الغموض والأخلاق. ومع تراجع نفوذ الكنيسة والعودة إلى الأفكار الكلاسيكية، استلهم مصممو الأزياء في عصر النهضة أفكارهم من الأساطير اليونانية والرومانية.
الأزياء المسرحية في بداية القرن السابع عشر
في القرن السابع عشر، انضمت مجموعة من المتخصصين إلى بلاط الملوك الفرنسيين لويس الثالث عشر ولويس الرابع عشر، بقيادة جياكومو توريلي، وهو المصمم الرئيسي لمسرح الباروك. ساهم هؤلاء المتخصصون في الارتقاء بمكانة المسرح وتحسين أزيائه. فيما بعد، ابتكر المصمم دانيال رابيل أزياء مسرحية ذات طابع جديد، بإضافة مؤثرات مرحة وتصميم أزياء غريبة بهدف الترفيه عن الجمهور.
الأزياء المسرحية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر
شهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر تطورات مهمة في مجال الأزياء المسرحية، من أبرزها:
- تعيين جان بابتيست مارتن مصممًا لأوبرا باريس في عام 1748، حيث ابتكر أشكالًا متنوعة من الروكوكو الزخرفية والمسلية للزي التقليدي للراقص الذكر، واستخدم الزخارف الأفريقية والصينية والمكسيكية.
- أظهرت تصميمات لويس رينيه بوكي، خليفة مارتن، مظاهر الأناقة والرقي التي شاهدها في دوائر بلاط الروكوكو للملك لويس الخامس عشر، وتميزت تصميماته لملابس البوكيه بأنها حساسة ومصطنعة وباهتة اللون ومزينة بأكاليل وأزهار روكوكو.
- قلدت كل أوروبا الأفكار الفرنسية على الرغم من افتقار النسختين الإنجليزية والألمانية إلى الذوق الفطري لبوكيه.
الأزياء المسرحية في القرن العشرين وما بعده
في القرن العشرين، دعا مصمم المسرح السويسري أبيا والممثل والمصمم الإنجليزي إدوارد جوردون كريج إلى تبني الرمزية وتجنب النسخ الحرفي للخطوط التاريخية. عند تصميم زي مسرحي، كانت الرسومات غالبًا ما تستوحي أفكارها من أربعينيات القرن التاسع عشر، مع الحرص على تحديد التفاصيل الدقيقة والمتسقة لتصميمه بشكل مقارب. لم يكن المصمم يعيد تصميم الثوب التاريخي الأصلي، بل يحتفظ بسماته الأساسية.
الأزياء المسرحية في اليابان
في اليابان، تسيطر التقاليد على جميع عناصر الإنتاج المسرحي. ففي أزياء نوحNouh، يكشف التصميم عن نوع الشخصية التي تُمثّل، وتتحد تفاصيل التصميم والصورة الظلية المختارة ومجموعات الألوان وثراء النسيج وملمسه ونوع التفاصيل ومقدارها لإعطاء إشارات عن الشخصية. نشأ الكابوكي خلال فترة القيود الحكومية، وفي حين أن النصوص المسرحية غالبًا ما تضمنت شخصيات أرستقراطية متمثلة في النبلاء أو الساموراي، فقد كان ممنوعًا تقليد لباس أي من هذه الطبقات، لكن استجابت شركات إنتاج الكابوكي بالمبالغة في لون وأقمشة ذلك الفستان؛ ونتيجة لذلك اتسمت الأزياء المسرحية بالمبالغة بالنسبة للملابس التي كانت تستند إليها بالأصل لتعذر تقليدها بشكل مباشر، وعلى الرغم من اختفاء المحظورات الحكومية التي خلقت هذه التقاليد على مدى القرون ظل أسلوب كابوكي دون تغيير منذ ذلك الوقت.