رحلة في تاريخ آلة التصوير

مقدمة

لطالما كانت الصورة وسيلة قوية للتعبير والتوثيق. من خلال هذه المقالة، سنستعرض سويًا رحلة شيقة في تاريخ آلة التصوير، بدءًا من أصولها الأولى وصولًا إلى التكنولوجيا الرقمية المتطورة التي نراها اليوم. سنتناول أبرز المراحل الزمنية والاختراعات التي ساهمت في تشكيل عالم التصوير كما نعرفه.

التطور الزمني لآلات التصوير

شهدت آلات التصوير تطورات هائلة عبر القرون، حيث انتقلت من أدوات بسيطة تعتمد على مبادئ الضوء إلى أجهزة معقدة قادرة على التقاط صور عالية الجودة في لحظات. سنلقي نظرة على أبرز هذه التطورات.

الكاميرا ذات الغرفة المظلمة

تعتبر الكاميرا ذات الغرفة المظلمة (Camera Obscura) من أقدم المفاهيم في تاريخ التصوير. يُنسب إلى الفيلسوف الصيني “مو تي” الذي عاش قبل حوالي 500 عام قبل الميلاد أنه أول من ابتكرها، ثم تبنى “أرسطو” الفكرة وراقب كسوف الشمس باستخدامها. وقد أطلق عليها اسم الكاميرا المغلقة أو غرفة الكنز المقفلة. وفي القرن الأول من الألفية الثانية، أعاد العالم المسلم أبو علي الحسن بن الهيثم فكرة هذه الكاميرا، ووضع تصميمها في كتابه للبصريات. في القرن التاسع عشر، تم تطوير هذه الكاميرا ووضعها في صندوق خشبي به فتحة صغيرة تسمح بمرور الضوء، مما يؤدي إلى إسقاط صورة مقلوبة ومصغرة للمشهد الخارجي. لكن هذه الصور كانت ضبابية وغير قادرة على تسجيل الحركة.

الكاميرات ذات الألواح

ظهرت الكاميرات ذات الألواح (Plate Cameras) في عام 1840، وكانت تعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام في عالم التصوير. استخدمت هذه الكاميرات ألواحًا نحاسية مطلية بالفضة لالتقاط الصور. شهدت السبعينات من القرن التاسع عشر نموًا كبيرًا في مبيعات هذه الكاميرات، وفي عام 1871 تم تقديم أول كاميرات تستخدم الألواح الجافة، مما سهل عملية التصوير بشكل كبير. مع مرور الوقت، تقلص حجم الكاميرات وأضيفت إليها ميزات ميكانيكية جديدة.

كاميرات الأفلام الملفوفة

في ثمانينات القرن التاسع عشر، قدمت شركة كوداك كاميرات الأفلام الملفوفة (Roll Film Cameras)، والتي أحدثت ثورة في عالم التصوير بفضل حجمها الصغير وسهولة استخدامها. كانت متاحة للجميع. بعد ذلك، ظهرت العديد من كاميرات الأفلام الملفوفة، ولكن الكاميرا اليابانية التي صُنعت عام 1963 بمقاس أفلام 35مم كانت الأكثر تميزًا، وأصبحت نموذجًا لصناعة الكاميرات فيما بعد.

الكاميرات الفورية والرقمية

في النصف الثاني من القرن الماضي، شهدت صناعة الكاميرات تطورات كبيرة وظهور أنواع جديدة مثل:

الكاميرا الفورية

ابتكر “إدوين لاند” الكاميرا الفورية (Polaroid Camera) في عام 1948، وحصل على براءة اختراع بسبب قدرتها على التقاط الصور ومعالجتها بشكل فوري. أصبحت هذه الكاميرات شائعة جدًا حتى أواخر القرن الماضي.

الكاميرا الرقمية

بدأت فكرة الكاميرا الرقمية (Digital Camera) بالظهور عام 1988 من قبل شركة فوجي تحت اسم (Fuji DS-1P)، ولكن الثورة الحقيقية للكاميرات الرقمية جاءت من شركة كوداك عبر كاميرتها (SLR) التي كانت تحتوي على شريحة تخزين بسعة 16 جيجابايت وبتنسيق (JPEG)، وهو ما كان يعتبر إنجازًا كبيرًا في ذلك الوقت. انتشرت الكاميرات الرقمية عالميًا بحلول عام 1995، وأصبحت الخيار الأول للمستهلكين بفضل مميزاتها العديدة مثل التعرف على الوجوه وتنسيقات التصوير المتنوعة، بالإضافة إلى التطورات المستمرة التي تضاف إليها سنويًا.

شركة كوداك ودورها

بدأت شركة كوداك (Eastman Kodak) الأمريكية، المتخصصة في مستلزمات الأفلام والتصوير وخدمات التصوير الرقمي، في تطوير فكرة الكاميرات الشخصية منذ تأسيسها في نيويورك عام 1880 على يد جورج إيستمان، وأصبحت شركة مستقلة رسميًا في عام 1901. قبل كوداك، كان التقاط الصور يتطلب طلاء الألواح بمواد كيميائية رطبة في كل مرة، ولكن إيستمان طور آلة تنتج ألواحًا جافة ومغلفة مسبقًا بشكل ميكانيكي. في عام 1888، قدمت كوداك أول كاميرا محمولة للاستخدام الشخصي، وفي عام 1900 قدم إيستمان كاميرا براوني الأقل تكلفة، وهي كاميرا أفلام ورقية بسيطة بصندوق يحوي فيلم قابل للإزالة. كانت كوداك أيضًا أول شركة تصنع معدات الكاميرات ومعدات التصوير المنزلي وأفلام الشرائح الملونة.

قدمت كوداك خلال ستينات القرن الماضي مجموعة من الكاميرات والأفلام الحديثة، ولكن سلسلة أفلام القرص تم طرحها عام 1982، وفيها تمكن صاحب الكاميرا من استخدام الفلاش تلقائيًا، بالإضافة لإمكانية ضبط التركيز وتحسين الصورة. وبحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، ركزت كوداك على منتجات التصوير الرقمي.