قصة المقامة الموصلية: رحلة أدبية
تُعتبر المقامة الموصلية واحدة من أشهر المقامات في الأدب العربي، وتتميز بأسلوبها السردي الفريد وقصتها الشيقة. سنتعرف في هذا المقال على تفاصيل هذه المقامة، بدءًا من مؤلفها وصولًا إلى أحداثها ومقتطفات مميزة منها.
قلم بديع الزمان الهمذاني
يُنسب تأليف المقامة الموصلية إلى عبقري الأدب العربي، بديع الزمان الهمذاني، واسمه الكامل أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني. ولد في همذان، إيران، حوالي عام 358 هجري، واشتهر ببراعته في فن المقامات، ثم رحل إلى هراة عام 380 هجري، وبعدها إلى نيسابور، وسرعان ما ذاع صيته في مختلف أنحاء البلاد. وقد حظي بتقدير الحكام والأمراء في فارس وخراسان وغزنة وغيرها، لدرجة أنه أصبح ضيفًا مُكرّماً في بلاطاتهم. كان الهمذاني ذا حِفظٍ قويّ، ومع ذلك، يروى أنه توفي فجأة بالسكتة سنة 398هـ، و هناك رواية أخرى تقول أنه مات مسموماً.
أحداث مثيرة في قلب الموصل
تدور أحداث المقامة الموصلية في مدينة الموصل، وتدور حول بطلين، هما عيسى بن هشام وأبو الفتح الإسكندري. يبدأ هذان الشابان مغامرتهما بحضور عزاء لرجل، يدعي أبو الفتح بأنه يستطيع إعادته للحياة، ليحصل على هدايا ثمينة من أهل المتوفى. وبعدما يطول الانتظار ويضيق الوقت، يقر أبو الفتح بالحقيقة، ويفرّ هو وعيسى من غضب أهل الميت.
وخلال فرارهما، يواجهان قرية على وشك أن تجتاحها سيول عاتية، فيدّعي أبو الفتح قدرته على إيقافها، بشرط تقديم ضحية (بقرة صفراء) وزواج إحدى بنات القرية منه، بالإضافة إلى صلاة جماعية يدعي بها تحويل مسار السيل. وبعد أن يستوفي طلباته، يستغل أبو الفتح لحظة الصلاة للهروب مع عيسى والفتاة والهدايا، تاركاً أهل القرية في حيرة من أمرهم.
لقطات من روعة الأسلوب
تتميز المقامة الموصلية بجمال أسلوبها الأدبي، وسنعرض هنا بعض المقتطفات التي تعكس براعة بديع الزمان الهمذاني:
“لَمَّا قَفِلْنَا مِنَ المُوصِلِ، وَهَمَمْنَا بِالْمَنْزَلِ، وَمُلِكَتْ عَلَيْنَا القَافِلةُ، وَأَخَذَ مِنَّا الرَّحْلُ والرَّاحِلةُ، جَرَتْ ِبي الحُشَاشَةُ إِلَى بَعْضِ قُرَاهَا، وَمَعِي الإِسْكَنْدَِيُّ أَبُو الفَتْحِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الحِيلَةِ؟ فَقَالَ: يَكْفِي اللهُ، وَدُفِعْنَا إِلَى دَارٍ قَدْ مَاتَ صَاحِبُها، وَقَامَتْ نَوادِبُهَا، واحْتَفَلتْ بِقَوْمٍ قَدْ كَوَى الجَزعُ قلوبَهُمْ، وَشَقَّتِ الفَجِيعَةُ جُيُوبَهُمْ.”
“قَالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ: يَا قَوْمُ أَنَا أَكْفِيكمْ هَذا المَاءَ وَمَعَرَّتَهُ، وأَرَدُّ عَنْ هذهِ القَرْيَةِ مَضَرَّتَهُ، فَأَطيعوني، ولا تُبْرِمُوا أَمْراً دُونِي، فَقَالوا: ومَا أَمْرُكَ؟ فَقَالَ: اذبحوا في مَجْرَى هَذا المَاءِ بَقَرَةً صَفْرَاءَ، وأَتُونِي بِجَارِيةٍ عَذْراءَ، وَصَلُّوا خَلْفِي رَكْعَتَيْنِ يَثْنِ اللهُ عَنْكُمْ عِنان هذا المَاءِ، إِلى هَذِهِ الصَّحْراءِ، فَإِنْ لَمْ يَنْثَنِ المَاءُ فَدَمِي عَلَيْكُمْ حَلالٌ.”
“قَالَ: يَا قَوْمُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ لاَ يَقَعْ مِنْكُمْ فِي القِيامِ كَبْوٌ، أَوْ فِي الرُّكُوعِ هَفْوٌ، أَوْ في السُّجُودِ سَهْوٌ، أَوْ فِي القُعُودِ لَغْوٌ، فَمَتَى سَهَوْنَا خَرَجَ أَمَلُنَا عَاطِلاً، وَذَهَبَ عَمَلُنا بَاطِلاً، وَاصْبِرُوا عَلى الرَّكْعَتَينِ فَمَسَافَتُهُمَا طَوِيلَةٌ، وَقَامَ لِلْرَكْعَةِ الأُولَى فَانْتَصَبَ انْتِصَابَ الجِذْعِ، حَتَّى شَكَوا وَجَعَ الضِّلْعِ، وَسَجَدَ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ هَجَدَ ولمْ يَشْجُعُوا لِرَفْعِ الرُّؤُوسِ، حَتَّى كَبَّرَ لِلْجُلُوسِ، ثُمَّ عَادَ إِلى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَوْمَأَ إِلَيَّ، فَأَخَذْنَا الوَادِيَ وَتَرَكْنَا القَوْمَ سَاجِدينَ، لاَ نَعْلَمُ مَا صَنَعَ الدَّهْرُ بِهِمْ”.
المراجع
المصادر:
- الزركلي، الأعلام.
- الذهبي، تاريخ الإسلام.
- بديع الزمان الهمذاني، مقامات.
جدول المحتويات
الباب | الرابط |
---|---|
قصة المقامة الموصلية: رحلة أدبية | أعلى الصفحة |
قلم بديع الزمان الهمذاني | قلم بديع الزمان الهمذاني |
أحداث مثيرة في قلب الموصل | أحداث مثيرة في قلب الموصل |
لقطات من روعة الأسلوب | لقطات من روعة الأسلوب |
المراجع | المراجع |