رأي الفقهاء في طلاق من فقد وعيه بسبب السكر

استعراض آراء علماء الفقه حول وقوع الطلاق من شخص فاقد للوعي نتيجة تناول المسكر. بيان حجج المؤيدين والمعارضين. تحديد المسؤوليات التي تقع على الشخص السكران.

مقدمة حول طلاق السكران

مسألة طلاق السكران من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء قديماً وحديثاً، وذلك لتداخل عدة اعتبارات شرعية وعقلية. فهل يُعتبر الطلاق الصادر من شخص فاقد الوعي نتيجة السكر طلاقاً صحيحاً ونافذاً، أم أنه يُعتبر لغواً لا يترتب عليه أي أثر شرعي؟ هذا ما سنحاول توضيحه من خلال عرض آراء العلماء المختلفة وأدلتهم.

وجهات نظر العلماء حول وقوع الطلاق في حالة السكر

انقسم علماء الأمة الإسلامية إلى فريقين رئيسيين بخصوص صحة طلاق السكران. يرى الفريق الأول أن الطلاق يقع على السكران، ويعتبرونه عقوبة له على تعاطي الخمر المحرم. وهذا الرأي تبناه علماء المالكية والحنفية، كما وردت به رواية عن الإمام أحمد والشافعي. حجتهم في ذلك أن في وقوع الطلاق زجراً له و لغيره عن الوقوع في هذا الفعل.

بينما يذهب الفريق الثاني إلى أن طلاق السكران لا يقع، وذلك لأن السكران فاقد للعقل والإدراك، فهو أشبه بالمجنون الذي لا يُؤاخذ بأقواله وأفعاله. كما أنه يُشبه المُكره الذي لا يملك الإرادة الحقيقية في اتخاذ القرارات. والعقل هو مناط التكليف الشرعي، فإذا غاب العقل، سقط التكليف. وقد نُسب هذا القول إلى الصحابي عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس، ومن أئمة المذاهب أحمد والشافعي، كما رجّح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وكذلك ابن باز وابن عثيمين.

الأدلة التي يستند إليها من يرى عدم وقوع الطلاق

اعتمد القائلون بعدم وقوع الطلاق على أدلة من السنة النبوية، منها قصة ماعز الذي أُتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن زنى، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل شرب الخمر أم لا. فقام أحد الصحابة ليستشم رائحة فمه، فلم يجد له ريحاً. ويستدل العلماء من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليأخذ بإقرار ماعز لو كان سكراناً، لأن أقواله في هذه الحالة لا يعتد بها.

وبالتالي، فإن كل قول يصدر عن السكران يعتبر باطلاً، قياساً على رفض إقراره في قضية ماعز. وهذا يشمل الطلاق، الذي يعتبر من الأمور الخطيرة التي تتطلب وعياً وإدراكاً كاملاً.

المسؤولية الجنائية والأحكام المترتبة على السكران

أوضح العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله أن كل ما يصدر من السكران في حالة سكره مما يضر بالغير، مثل الطلاق، يعتبر باطلاً ولا يقع. وكذلك لا يقع منه البيع والشراء والهبة وغيرها من المعاملات المالية.

إلا أن السكران يُؤاخذ بما يصدر عنه من أفعال ومعاصٍ، مثل الزنا والقتل والسرقة. وهذا باتفاق العلماء، سواء كان الشخص عاقلاً أم غير عاقل. والهدف من ذلك هو منع الناس من اتخاذ السكر ذريعة لارتكاب المعاصي والجرائم.

فالسكر لا يُسقط المسؤولية الجنائية عن الشخص، بل يُعتبر ظرفاً مشدداً في بعض الحالات، خاصة إذا كان السكر اختيارياً. أما إذا كان السكر قسرياً، مثل أن يُكره شخص على شرب الخمر، فقد يخفف ذلك من المسؤولية الجنائية.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90-91]. هذه الآيات تدل على تحريم الخمر وبيان أضرارها الجسيمة على الفرد والمجتمع.

وفي الحديث النبوي الشريف: “كل مسكر خمر، وكل خمر حرام”. وهذا يدل على أن كل ما يُذهب العقل ويُسكر فهو محرم في الشريعة الإسلامية.

المصادر والمراجع

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تجنب الوقوع في إهانة الآخرين: نظرة شرعية

المقال التالي

تداعيات الغضب على قرار الطلاق: نظرة فقهية

مقالات مشابهة