ديوان أبي العلاء المعري: مختارات من شعره الخالد

رحلة في أجمل قصائد أبي العلاء المعري، مع تحليل لبعض أبياته الخالدة، وذكر لبعض آرائه الفلسفية والدينية.

مختارات من شعر أبي العلاء المعري

المحتويات
إيّاكَ والخمرَ
إن يصحبِ الروحَ عقلي
الأمرُ أيسرُ
رأيتُ قضاءَ اللَّه
لا تفرَحنّ بفألٍ إنْ سمعتَ به
من ليَ أن أقيمَ في بلدٍ
اللَّه لا ريبَ فيه
إذا شِئتَ أن يَرْضى
لَعمْركَ ما غادرتُ مطلِعَ هَضبةٍ

ابتعاد عن الخمر

يُحذّرُ أبو العلاء المعري من الخمر بقوله:

إيّاكَ والخمرَ فهي خالبةٌ غالبةٌ خابَ ذلك الغَلَبُ، خابيةُ الرّاح ناقةٌ حفَلَت ليس لها غيرَ باطلٍ حلَبُ، أشأمُ من ناقةِ البَسوس على الناسِ وإن يُنَلْ عندها الطلب، يا صالِ خَفْ إن حلَبت دِرّتها أن يترامى بدائِها حَلَبُ، أفضلُ مما تضمُّ أكؤسُها ما ضُمّنتَه العِساسُ والعُلَبُ.

العقل والروح

في هذه القصيدة، يُعبّرُ الشاعر عن علاقة العقل بالروح:

إن يصحبِ الروحَ عقلي بعد مَظعنِهِ للموتِ عني فأجدِرْ أن ترى عجَبا، وإنْ مضَتْ في الهواءِ الرّحبِ هالكةً هلاكَ جِسميَ في تُرْبي، فواشجبا، الدّينُ إنصافُكَ الأقوامَ كلَّهمُ وأيُّ دينٍ لآبي الحقّ إنْ وجبا، والمَرءُ يُعييه قَودُ النفسِ مُصبِحةً للخير وهو يقودُ العسكَر اللّجبا، وصوْمُه الشهرَ ما لم يجنِ مَعصيِتَةً يُغنيهِ عن صَومه شعبانَ أو رَجَبا، وما اتّبعتُ نجيباً في شمائله وفي الحمامِ تبعتُ السّادة النُّجُبا، واحذَرْ دعاءَ ظليم في نعامتِه فَرُبّ دَعوةِ داعٍ تَخرقُ الحجُبا.

بساطة الأمور

يُبيّنُ الشاعر هنا أنَّ الأمور أيسرُ مما نتصوّر:

الأمرُ أيسرُ مما أنتَ مُضمرُهُ فاطرَحْ أذاكَ ويسّرْ كلّ ما صَعُبا، ولا يسُرّكَ إن بُلّغْتَهُ أمَلٌ ولا يهمّك غربيبٌ إذا نعبا، إنْ جدّ عالمُكَ الأرضيُّ في نبأٍ يغشاهُمُ فتصوّرْ جِدّهُمْ لَعبِاً، ما الرّأيُ عندكَ في مَلْكٍ تدينُ له مصرٌ أيختارُ دون الرّاحةِ التّعب، لا تستقيمَ أُمورُ النّاس في عُصُرٍ ولا استقامتْ فذا أمناً وذا رعباً، ولا يقومُ على حقٍّ بنو زمنٍ من عهد آدمَ كانوا في الهوى شُعَباً.

قدر الله

يُعبّرُ الشاعر عن إيمانه بقضاء الله وقدره:

رأيتُ قضاءَ اللَّه أوجَبَ خلْقَهُ وعاد عليهم في تصرّفه سَلباً، وقد غلبَ الأحياءَ في كلّ وجهةٍ هواهمْ وإن كانوا غطارفةً غُلْباً، كلابٌ تغاوتْ أو تعاوت لجيفةٍ وأحسَبُني أصبحتُ ألأمَها كلْباً، أبَينا سوى غِشّ الصّدور وإنّما ينالُ ثوابَ اللَّه أسلمُنا قلباً، وأيَّ بني الأيّام يَحمَدُ قائلٌ ومن جرّبَ الأقوامَ أوسعَهُم ثَلْباً.

تحذير من التطيّر

يُنذِرُ الشاعر من التطيّر بالفأل:

لا تفرَحنّ بفألٍ إنْ سمعتَ به ولا تَطَيّرْ إذا ما ناعِبٌ نعبَا، فالخطبُ أفظعُ من سرّاءَ تأمُلها والأمرُ أيسرُ من أن تُضْمِرَ الرُّعُبا، إذا تفكّرتَ فكراً لا يمازِجُهُ فسادُ عقلٍ صحيحٍ هان ما صعبُا، فاللُّبُّ إن صَحّ أعطى النفس فَترتها حتى تموت وسمّى جِدّها لَعبُا، وما الغواني الغوادي في ملاعِبها إلاّ خيالاتُ وقتٍ أشبهتْ لُعَبا، زيادةُ الجِسمِ عَنّتْ جسمَ حامله إلى التّرابِ وزادت حافراً تَعَباً.

الشعور بالغربة

يُعبّرُ الشاعر عن شعوره بالغربة وعدم الانتماء:

من ليَ أن أقيمَ في بلدٍ أُذكَرُ فيه بغير ما يجبُ، يُظَنُّ بيَ اليُسرُ والديانةُ والعلــمُ وبيني وبينها حُجُبُ، كلُّ شهوري عليّ واحدةٌ لا صَفَرٌ يُتّقى ولا رجبُ، أقررْتُ بالجهل وادّعى فَهَمي قومٌ، فأمري وأمرُهم عجَبُ، والحقُّ أني وأنهم هدرٌ لستُ نجيباً، ولا همُ نُجُبُ، والحالُ ضاقتْ عن ضمِّها جسدٍ فكيف لي أن يضمّه الشَّجَبُ، ما أوسعَ الموت يستريح به الجســم المعنّى ويخفتُ اللَّجَبُ.

الإيمان بالله

يُؤكّدُ الشاعر على إيمانه الراسخ بالله:

اللَّه لا ريبَ فيه وهو مُحتجبٌ بادٍ وكلٌّ إلى طَبعٍ له جذبا، أهلُ الحياةِ كإخوان المماتِ فأهْــوِنْ بالكُماةِ أطالوا السُّمرَ والعَذبا، لا يعلمُ الشَّريُ ما ألقى مرارتهَ إليه والأريُ لم يشْعُر وقد عذُبا، سألتُموني فأعيْتني إجابتكمْ من ادّعى أنّه دارٍ فقد كذبا.

رضا الله

يكشف الشاعر عن سبل نيل رضا الله:

إذا شِئتَ أن يَرْضى سجاياكَ ربُّها فلا تُمسِ من فعل المقادير مُغضَبَا، فإنّ قُرونَ الخيلِ أولتْكَ ناطِحاً وإنّ الحُسامَ العَضبَ لقّاكَ أعضَبَا، خضَبْتَ بياضاً بالصّبيب صبابةً ببيضاءَ عدّتكَ البنانَ المخضَّبا، وما كان حبلُ العيش إلا مُعلَّقاً بعُرْوة أيامِ الصّبا فتقضّبا.

رحلة الفكر

يصف الشاعر رحلته في عالم الفكر والمعرفة:

لَعمْركَ ما غادرتُ مطلِعَ هَضبةٍ من الفكرِ، إلاّ وارتقيتُ هَضابها، أقلُّ الذي تجني الغواني تبرّجٌ يُري العينَ منها حَلْيها وخِضابها، فإن أنتَ عاشرتَ الكَعابَ فَصادِها وحاوِل رضاها واحذرنّ غَضابها، فكم بكَرَتْ تسقي الأمرَّ حَليلَها من الغارِ إذ تسقي الخليلَ رُضابها، وإنّ حبالَ العَيشِ ما علِقَت بها يدُ الحيّ إلا وهي تخشى انقضابها.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

خواطر أبي العتاهية: رحلة في الشعر والحكمة

المقال التالي

قصائد أبي القاسم الشابي: رحلة في أعماق الشعر الوطني

مقالات مشابهة