فهرس المحتويات
كيف يساهم الشغل في بناء الأوطان؟
إنّ نهضة الأمم ليست بالأمر المستحيل، بل تتطلب عقولًا مبدعة، وأيدي عاملة، وقلوبًا مليئة بالإصرار، وطموحات سامية مقرونة بضمائر حية. نحتاج إلى عزيمة قوية لمواجهة التحديات، فالشغل هو أساس بناء الأوطان وتقدمها، وهو ما يورثه الأجيال القادمة، ويحقق النمو والازدهار للوطن.
إن الشغل هو أحد الركائز الأساسية لقيام المجتمعات، وكل ما نراه من تقدم وازدهار في أي دولة ما هو إلا نتيجة لجهود أبنائها المخلصين، المؤمنين بوطنهم، والذين يبذلون كل ما في وسعهم من جهد وعلم لتعميره وتطويره. ولكي نساهم في بناء بلدنا، يجب علينا أن نوقظ ضمائرنا ونعمل بجد وإخلاص. فالوطن يُبنى بالشغل والتعاون والمحبة، وهو أساس الحضارة وعنوان الإنسان الناجح ومصدر سعادته، إضافةً إلى كونه وسيلة لتلبية الاحتياجات الأساسية. وهكذا، يحمي الشغل الفرد من الفقر والعوز، مما يقلل من معدلات الجريمة والعنف والفساد.
يقلل الشغل من نسب البطالة في المجتمع، ويحد من الهجرة إلى الخارج، وبالتالي يحافظ على الكفاءات المؤهلة والمدربة التي يستفيد منها الوطن. وهذا لا يتحقق إلا بجهود أبناء المجتمع. فالعامل المخلص في أي مؤسسة أو مجال عمل يحرص على الالتزام بقواعد العمل والإنتاج، مما يؤثر إيجابًا على جودة المنتج والخدمة، وبالتالي يسهم في تقدم المجتمع والوطن بأكمله. ويكفينا ما حثنا عليه النبي الكريم من عمل واجتهاد في طلب الرزق.
يشجع الشغل الاستثمارات الداخلية والخارجية عن طريق جذب الشركات الاستثمارية إلى المجتمعات العاملة والنامية، وفي الوقت نفسه يزيد من الإنتاج المحلي، مما يؤدي إلى تحسن في المستوى الاقتصادي العام، وبالتالي نمو مستمر في الدخل وتحسين مستوى معيشة الأفراد والأسر.
قال الشاعر:
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي
ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّيالِي
كمن طلب العُلا من غير كَدٍّ
أَضَاع العُمْرَ في طلب الْمُحَالِ
لماذا يعتبر الشغل نوعًا من العبادة؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: “ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ”. هذا الحديث النبوي الشريف يحثنا على الشغل، فالشغل في الإسلام قيمة عظيمة، فالإسلام دين يشجع على الشغل والإنتاج، ويبين لنا مكانته السامية في الدين. وقد خص النبي الكريم سيدنا داود بالحديث الشريف، لأنه على الرغم من توفر المال معه، إلا أنه لم يتقاعس عن العمل، ولم يرض إلا أن يأكل من عمل يده.
يعتبر الشغل عبادة لأن الهدف الأساسي لوجود الإنسان على الأرض هو إعمارها، وكيف يتم الإعمار دون الشغل؟ فالحياة بلا شغل هي موت للجسد والروح معًا، وقد أعطى الله تعالى للإنسان من الطاقات والقوى ما يجعله قادرًا على قيادة سفينة الحياة بالشغل الجاد المنتج الذي يعود على الفرد والمجتمع بالخير والفضل.
أما التخلي عن الشغل بحجة التفرغ لعبادة الله تعالى، فهو أمر لا يقره الإسلام، فكما أمرنا الله تعالى بالعمل للآخرة والإكثار من الطاعات، أمرنا أيضًا بالشغل في الدنيا لأنه يوصلنا إلى ثواب الآخرة، فالاعتماد على الآخرين لإعالة النفس هو أمر غير مقبول أبدًا.
كل عمل يدفع عجلة الحياة ويجلب الخير للمجتمع هو عمل شريف مهما كان نوعه أو طبيعته، فلا يوجد عمل مهين طالما كان يعتمد الكسب الحلال. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم، وفي ذلك دلالة وإشارة إلى عدم الركون إلى الراحة والجلوس مهما كان. فالعمل كرامة حتى لو كانت مهنة الإنسان بسيطة ومتواضعة، لأن هذه المهنة في النهاية ستكفيه وتسد حاجته وحاجة عائلته، ولا يجوز أن نستهين بأي مهنة مهما بدت لنا صغيرة وغير مجدية، فهي في النهاية لها أهميتها في حركة الحياة ولا تستقيم الحياة دونها، وصدق الرسول الكريم حين قال: “اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له”.
ما الدوافع الرئيسية للعمل؟
الشغل هو ما يصنع قيمة الإنسان، ويحميه من الحاجة والفقر، ومن مد يده للآخرين، لذلك فإن الشغل يحمل قيمًا نبيلة ومعاني سامية وفوائد جمة لا يمكننا تجاهلها، فهو بمثابة المنقذ الذي يكسر رتابة الحياة والملل، ويبعد عنا العجز والكسل، فالشخص الذي يعمل بيده ويكدح أفضل حالاً ممن يعتمد على الآخرين في رزقه.
الشغل للإنسان هو الأمان، وهذا الأمان لا يكون على المستوى الشخصي فقط، بل على مستوى المجتمع؛ لأن المجتمع العامل هو مجتمع حيوي مليء بالحركة والنشاط، ويمكن أن يصل المجتمع بالإنتاج إلى الاكتفاء الذاتي، ويصبح مجتمعًا منتجًا لا مستهلكًا. والشغل وسيلة للحصول على المال، ومهما اختلف نوع الشغل فهو مفيد ولا يمكن تجاهله، فالمجتمعات التي تعمل في الزراعة هي مجتمعات توفر الغذاء لغيرها، والمجتمعات التي تعمل في الحرف يساهم أبناؤها في تنمية المجتمع في مختلف المجالات، فالطبيب والمهندس والصيدلاني والمعلم لا تقل أهميتهم عن عامل النظافة أو الحداد أو النجار، فجميعهم يؤدون خدمات لا يمكن لغيرهم إنجازها.
بفضل الشغل أصبح الإنسان يرتدي أجمل الثياب، وأصبحت الشوارع نظيفة، والمباني شاهقة، وأصبحت تتوافر جميع المنتجات الزراعية على مدار العام، وأصبحت الحياة أكثر رفاهية وراحة، وأصبح بإمكاننا توفير الكثير من الخدمات بوقت أقل وجهد أقل، وبالتالي صار للإنسان أن يعيش نمط حياة أكثر راحة ورفاهية، وهذا كله بفضل سعي الإنسان وشغله المثمر النافع، وبفضل اختراع التكنولوجيا الحديثة والمتطورة التي سهلت حياة الملايين من الأشخاص حول العالم، فبالعلم والشغل نسمو ونرتقي ونتقدم.
من أهم الأسباب التي تشجعنا على الشغل، أنه الوسيلة الرئيسية للحصول على المال، فكل شخص قادر على القيام بمهنة ما يسعى للحصول على دخل مناسب منها، والحصول على فرصة تدريب ضمن بيئة الشغل، إذ يمكن للفرد الحصول على مجموعة من الدورات التدريبية التي تساهم في تطوير مهاراته الشخصية، وتساعده في الحصول على المعلومات والمعارف التي تؤهله وتطوره في مجال الوظيفة الخاصة به، والاستفادة من مهارات الزملاء ضمن بيئة عمله من خلال التعرف على تجاربهم واكتساب معلومات جديدة لتنمية المهارات الذاتية، ومعرفة الطرق التي ساعدتهم على التطور الوظيفي.
ما هي طموحاتك المهنية المستقبلية؟
تؤثر البيئة المحيطة بالأطفال على طريقة تفكيرهم تجاه مهنة المستقبل، وهناك العديد من العوامل التي تجعلهم يخططون للعمل بمهنة معينة دون غيرها. لقد أصبح للتكنولوجيا تأثير كبير على الطفل، فلم يعد البيت والأهل هما المؤثرين الوحيدين في حياة الطفل وتفكيره، بل هناك عالم واسع من الخيارات والثقافات يتمثل في وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة، إذ جعلت هذه الوسائل الأطفال يكتسبون أفكارًا وسلوكيات جديدة، تؤثر على خياراتهم المستقبلية.
العديد من الأطفال يرغبون بالعمل في المهن المتطورة مثل اليوتيوب، والعديد منهم يحلم أن تكون مهنته المستقبلية مهنة تقليدية متعارف عليها كأن يصبح طيارًا يجوب العالم، ويشاهد المناظر الخلابة من الأعلى، والتحليق فوق المحيطات والجبال، ومنهم من يحب العمل ضابطًا لحماية أمن واستقرار بلده، ومنهم من يريد أن يصبح طبيبًا للتخفيف من معاناة وألم المرضى، ورؤية السعادة والأمل في عيونهم، واليوتيوب مثلًا هو شغف العديد من الأطفال في الوقت الحالي.
الكثير منهم يحب عرض أفكاره وألعابه، ونشر مقاطع فيديو عن حياته اليومية، كما يرغب بأن تصبح هذه المهنة هي عمله في المستقبل لأنها من المهن المشهورة التي تدر عليهم دخلًا ممتازًا، أما الرسم فهو من المجالات المحببة للعديد من الأطفال، فمنهم من يحب الألوان والتعبير عن نفسه بالرسم والقلم، من رسم للحيوانات والورود وتنسيق الألوان. بعض الأطفال يحبون أن يصبحوا مهندسي كمبيوتر أو أن يعملوا في المهن التكنولوجية كمجالات الذكاء الصناعي والمونتاج والتصميم الغرافيكي والتسويق الإلكتروني، لأن لديهم الشغف الكبير بأفلام الكرتون وصنع الشخصيات والأفلام. ومن الأطفال من يحب مهنة التدريس، وكثير منهم يرغب في دخول مجال التعليم أسوة بوالده أو والدته أو ربما محبة لهذا المجال، وبعض الأطفال يحب الاختصاص في مجال طب الأسنان، لمعالجة ألم وتلف الأسنان وتخفيف الوجع.
مهما كان مجال الشغل أو المهنة التي يطمح إليها الطفل، فإنها غالبًا ما تكون انعكاسًا لشعوره الداخلي، ورغبته الكامنة، وحبه الشديد وتعلّقه ربما بالمهنة نفسها أو بشخص في واقعه امتهن هذه المهنة ونجح بإتقانها، فالشغل أساس الحياة والتطور ونهضة الذات والمجتمع.