مقدمة
يعتبر اختيار التخصص الجامعي من القرارات المصيرية التي يتخذها الطالب في حياته، حيث يمثل نقطة تحول تحدد مساره المهني والأكاديمي المستقبلي. إن التخصص في مجال معين، كما هو مشتق من الفعل “خصّص”، يعني تخصيص الفرد نفسه لمجال معين وتمييزه فيه. هذا الاختيار لا يجب أن يكون عشوائياً، بل نتيجة تفكير عميق ومراعاة لعدة عوامل شخصية وموضوعية.
تبدأ هذه المرحلة الحاسمة بعد انتهاء المرحلة الثانوية، وتتميز بالتردد والحيرة. قد يخلط الطالب بين الإعجاب بمجال معين والرغبة الحقيقية في دراسته. من المهم أن يسأل الطالب نفسه عن الأسباب الحقيقية التي تدفعه لاختيار تخصص معين. الرغبة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تكون مدعومة بالقدرة والاستعداد للدراسة والتحصيل. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الطالب أن يفكر في الفرص المتاحة بعد التخرج، أي إمكانية الحصول على وظيفة مناسبة وعائد مادي مجزٍ. في بعض المجتمعات، يلعب التقدير الاجتماعي دوراً في اختيار التخصص، حيث يفضل البعض التخصصات الطبية والهندسية لما تحظى به من مكانة اجتماعية مرموقة.
لا يقل دور الأهل أهمية في هذه المرحلة، حيث يجب أن يكونوا شركاء لأبنائهم في اتخاذ القرار. يجب أن يقتصر دورهم على التوجيه والإرشاد، وتجنب إجبار الطالب على دراسة تخصص معين بدافع التقليد أو الرغبات الشخصية. فالإجبار قد يؤدي إلى تدني الأداء الأكاديمي، وفقدان الثقة بالنفس، وبالتالي الرسوب أو تغيير التخصص وإضاعة الوقت.
كيف تحدد التخصص الدراسي الأنسب؟
لا يمكن الجزم بوجود تخصص جامعي “أفضل” من غيره بشكل مطلق. فالاختيار يعتمد على قدرات الطالب وميوله ومستوى تحصيله الدراسي. هناك تخصصات تعتمد على الحفظ، وأخرى تتطلب التفكير والإبداع. من الضروري التفكير ملياً في احتياجات سوق العمل، وهل سيتمكن الطالب من الحصول على وظيفة بعد التخرج، أم سيواجه صعوبات في ذلك. يلاحظ أن بعض التخصصات، مثل الطب والهندسة بفروعها المختلفة، تشهد اكتفاءً في سوق العمل، بينما تزداد الحاجة إلى تخصصات أخرى مثل التسويق الإلكتروني وإدارة الأعمال بمختلف فروعها.
على الرغم من الجهود المبذولة لزيادة عدد الخريجين في التخصصات العلمية، إلا أن هناك إهمالاً نسبياً للتخصصات المتعلقة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي. في المقابل، تولي الدول المتقدمة اهتماماً كبيراً بهذه التخصصات، وهو ما يفسر وجود العديد من مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة فيها. تشمل هذه العلوم علم الاجتماع، والجغرافيا، والتاريخ، والآثار، والاقتصاد، والآداب، والإعلام. تكمن أهمية العلوم الإنسانية في دورها في بناء فكر الإنسان وثقافته، وفهم المجتمع وقضاياه وخصائصه، بالإضافة إلى اهتمامها بالقيم والتراث الفكري والثقافي. فالعديد من القضايا الإنسانية والتنموية لا يمكن فهمها إلا من خلال البحوث التي تهتم بها العلوم الإنسانية. وقد أدى تهميش هذه التخصصات إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية، وظهور النزعات المختلفة وانتشار الإرهاب. من هنا، تبرز الحاجة إلى إنشاء مراكز الأبحاث، وإعداد الباحثين والعلماء المتخصصين في العلوم الاجتماعية، وتوفير الدعم المادي الكافي لهم من قبل الدولة، وإعطاء التخصصات التي تهتم بالعلوم الاجتماعية الأهمية التي تستحقها، تماماً كغيرها من التخصصات الأخرى التي تدرس في الجامعات.
إرشادات هامة عند اختيار التخصص
اختيار التخصص الجامعي قرار بالغ الأهمية، لذلك يجب مراعاة بعض الأمور الهامة في هذه المرحلة:
- الوعي بالقدرات والميول: يجب على الطالب أن يراعي قدراته وميوله ورغباته وشخصيته، وأن يختار التخصص الذي يجد فيه نفسه قادراً على الإبداع والتميز.
- تجنب التقليد: ليس بالضرورة أن يدرس الطالب نفس التخصص الذي درسه أحد أفراد عائلته أو أصدقائه.
- عدم التأثر بآراء الآخرين: يجب على الطالب أن يتجنب التأثر بآراء الآخرين، وأن يعتمد على تفكيره الخاص في اتخاذ القرار.
- البحث في سوق العمل: يجب على الطالب أن يبحث في سوق العمل، وأن يفكر في مستقبل التخصص الذي يريده من حيث فرص العمل المتاحة.
- دور الأهل التوجيهي: يجب أن يقتصر دور الأهل على التوجيه والمساعدة، وليس الإجبار على تخصص معين.
- عدم الربط بين حب مادة دراسية والتخصص الجامعي: يجب على الطالب أن يدرك أن حبه لمادة معينة أو لأستاذ معين لا يعني بالضرورة أن هذا المجال هو الأنسب له كتخصص جامعي.
يمكن للطالب الاستعانة ببعض التقسيمات التي تعتمد على قدرته على التعامل مع مفاهيم معينة. فإذا كان يميل إلى التعامل مع الأرقام، فيمكنه التفكير في تخصصات الرياضيات. أما إذا كان يميل إلى الدراسات التي تهتم بالإنسان، فهناك تخصصات علم النفس والاجتماع وفروعها. ويمكنه الاتجاه إلى تخصصات اللغة العربية والأجنبية والصحافة والمكتبات إذا كان مهتماً بالكلمة. أما تخصصات الصيدلة والكيمياء وهندسة المواد، فيدرسها الطلاب الذين يتمتعون بالقدرة على التعامل مع المادة. والطالب الذي يمتلك القدرة على التعامل مع الآلة ويحب الابتكارات والاختراعات، فيمكنه الاتجاه إلى الحاسوب والفيزياء والهندسات التي تهتم بالتعامل مع الآلات مثل هندسة الحاسبات والهندسة الصناعية وتقنية تحلية المياه. وهناك تخصصات الجغرافيا وعلوم الأرض والأحياء والأرصاد، التي تهتم بالطبيعة. أو التخصصات الطبية مثل الطب وطب الأسنان والتمريض والعلاج الطبيعي والغذاء والتغذية للطالب الذي يمتلك ميولاً في الصحة. كما يمكن دراسة تخصصات الإدارة بفروعها مثل إدارة الأعمال والعلوم السياسية للطالب الذي يمتلك القدرة على التعامل مع الأنظمة وله اهتمام بالسياسة. هذا التقسيم هو تقسيم تقريبي لمساعدة الطالب على اختيار تخصصه، وبإمكانه الرجوع إلى الجامعة والتعرف على الكليات فيها بمختلف تخصصاتها.
مصادر مرئية حول التخصصات الجامعية
(هنا يمكن إضافة روابط لفيديوهات ذات صلة بالموضوع)
المراجع
- نيلي سعيدة (2016)،دور المحددات الأسرية في اختيار الطالب للتخصص الجامعي، الجزائر: جامعة قاصدي مرباح – ورقلة-، صفحة 23. بتصرّف.
- الطيب أسماء، زروقي خيرة،ميدان العلوم الاجتماعية، صفحة 11. بتصرّف.
- “The Student’s Guide to Choosing a Major”,bestcolleges, Retrieved 30-6-2022. Edited.
- تالا أيوب (2013-8-14)،”كيف تحدد تخصصك الجامعي”،الرأي. بتصرّف.
- أ. د. رشود بن محمد الخريف(2007-9-12)،”لماذا الاهتمام بالعلوم الاجتماعية والإنسانية؟”،الرياض،العدد 14324. بتصرّف.
- أكرم عوض الله،”تغريدات من كتاب كيف تختار تخصصك الجامعي ؟”،www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-1-27. بتصرّف.
- أ. شروق الجبوري (2017-5-24)،”محتار في اختيار التخصص الجامعي”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-1-27. بتصرّف.
- أ.عائشة الحكمي (2009-12-29)،”كيف أختار تخصصي الجامعي؟”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-1-27.