تقديم حول الآية الكريمة
تعتبر الآية الكريمة: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) هي الآية السابعة من سورة الفاتحة، السورة الأولى في كتاب الله العزيز. سورة الفاتحة هي سورة مكية، وذات أهمية بالغة في الدين الإسلامي. تحتوي هذه السورة المباركة على جوهر المعاني الموجودة في القرآن الكريم، وتتضمن أساسيات العقيدة، والإيمان، والعبادة، والتشريع الإسلامي. لسورة الفاتحة أسماء عديدة تدل على مكانتها، منها: الصلاة، والحمد، وفاتحة الكتاب، وأم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، وغيرها من الأسماء التي تعكس عظمة هذه السورة.
ورد في فضل سورة الفاتحة قول النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: “ما أنزلَ اللهُ في التوراةِ، ولا في الإِنَّجيلِ، مثلَ أمِّ القرآنِ، وهِيَ السبعُ المثانِي، وهِيَ مقسومَةٌ بيني وبينَ عبدي ولعبدِي ما سأَلَ”.[2][3]
تبيان معنى (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
يشير قوله -تعالى-: (صراط الذين أنعمت عليهم) إلى الطريق المستقيم الذي ذكر في الآيات السابقة من السورة. الصراط هو المنهج والطريق الواضح، وهو دين الإسلام الذي يقوم على توحيد الله -عز وجل-، وإخلاص العبادة له وحده، وتجنب الشرك به، والالتزام بالأحكام التي أنزلها الله -تعالى- في كتابه وسنة نبيه.
أما قوله -تعالى-: (الذين أنعمت عليهم)، فهم الذين ذكرهم الله -سبحانه وتعالى- في قوله: (مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا).[4]
وفيما يتعلق بقوله -تعالى-: (غير المغضوب عليهم)، فإن المقصود بهم هم اليهود، لأنهم علموا الحق ولكنهم لم يتبعوه، فاستحقوا غضب الله -تعالى-. أما (ولا الضالين)، فهم النصارى، الذين عبدوا الله بغير علم وهدى، فوقعوا في الضلال والجهل.[5] وقد اتفق جمهور المفسرين على هذا التفسير، مع الإشارة إلى أن كل من اتصف بصفات اليهود أو النصارى، وعمل بأعمالهم، فإنه يلحق بهم في هذا الوصف.[6]
لماذا قيل (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) بدلاً من “الذين غضبت عليهم”؟
قد يتبادر إلى الذهن سؤال حول سبب اختيار صيغة (غير المغضوب عليهم) بدلاً من الصيغة الأكثر مباشرة “غير الذين غضبتَ عليهم”، وذلك اتباعًا للسياق اللغوي للآيات السابقة. وقد ذكر العلماء عدة حكم مستنبطة من هذا الاختيار الإلهي، منها:
- سورة الفاتحة هي سورة حمد وثناء وتمجيد لله، وذكر صفات رحمته وعفوه. لذلك، فإن نسبة الغضب مباشرة إلى الله -تعالى- قد لا تتناسب مع هذا السياق العام، على الرغم من أن غضب الله على من يستحقه هو مظهر من مظاهر عدله ورحمته.
- تنبيه المؤمن إلى أن رحمة الله تسبق غضبه، وأن الغضب هو أمر طارئ وليس صفة ملازمة لذاته -تعالى-. فالله قد اشتق لنفسه أسماء تدل على الرحمة والرأفة، مثل الرحمن والرحيم والرؤوف، ولم يشتق أسماء من الغضب.
- تعليم العباد الأدب في الحديث مع الله -سبحانه وتعالى-، وتجنب الألفاظ التي قد توهم نقصًا أو عدم كمال في صفاته -عز وجل-.
- زرع الأنس والطمأنينة في قلب المؤمن الذي يتدبر كلام الله، ويخضع لعظمته، ويسعى إلى الهداية والثبات على الصراط المستقيم.[7]
المراجع:
- سورة الفاتحة، آية: 7
- رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:5560 ، حديث صحيح.
- الزحيلي،التفسير المنير، صفحة 53-54. بتصرّف.
- سورة النساء، آية: 69
- ابن عثيمين،تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة، صفحة 17. بتصرّف.
- الزحيلي،التفسير المنير، صفحة 57. بتصرّف.
- عبد الرحمن المعلمي،تفسير سورة الفاتحة، صفحة 126. بتصرّف.