دلالات الآية الكريمة: “الأعراب أشد كفراً ونفاقاً”

استكشاف معاني الآية الكريمة التي تتحدث عن الأعراب، وتوضيح من هم الأعراب المقصودون في الآية، والتمييز بين العربي والأعرابي.

تفسير الآية: الأعراب أشد كفراً

عندما يقوم القرآن الكريم بتوجيه الأنبياء والدعاة للقيام بواجب الدعوة، فإنه يولي اهتماماً خاصاً بتعريفهم بالصفات البارزة لمختلف الشرائح الاجتماعية التي سيواجهونها. يعتبر الأعراب فئة تتسم بالصعوبة في التعامل معها، وذلك بسبب تأثير البيئة المنغلقة على سلوكهم وأخلاقهم.

إذا واجه الدعاة سلوكاً غير لائق من الأعراب، فإن ذلك يعتبر أمراً متوقعاً. فهم يتميزون بالخشونة والغلظة في الطبع، وقسوة القلوب، وهي صفات تتشابه مع غيرهم من البدو في مختلف الأمم. يعيش الأعراب معظم حياتهم في رعاية الأنعام وحمايتها من الحيوانات المفترسة، وكذلك من اعتداءات الآخرين على ممتلكاتهم وأسرهم. ونتيجة لذلك، فإنهم يفتقرون إلى وسائل اكتساب العلوم والمعارف، والآداب الاجتماعية الرفيعة.

الفئة المقصودة من الأعراب في الآية

يتضح مما سبق أن الأعراب المقصودين في قول الله تعالى: ﴿الأَعرابُ أَشَدُّ كُفرًا وَنِفاقًا وَأَجدَرُ أَلّا يَعلَموا حُدودَ ما أَنزَلَ اللَّـهُ عَلى رَسولِهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ﴾، هم شريحة معينة من الناس، وليسوا جميع سكان البادية من العرب. والدليل على ذلك هو سبب نزول الآية، حيث نزلت في أعراب من قبائل أسد وغطفان، وأعراب آخرين من سكان المدينة.

وبناءً على ذلك، فإن الآية الكريمة خاصة بفئة محددة، ولا تشمل جميع الأعراب. ومما يؤكد ذلك، الآيات التي تليها، حيث يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ الأَعرابِ مَن يَتَّخِذُ ما يُنفِقُ مَغرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيهِم دائِرَةُ السَّوءِ وَاللَّـهُ سَميعٌ عَليمٌ* وَمِنَ الأَعرابِ مَن يُؤمِنُ بِاللَّـهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنفِقُ قُرُباتٍ عِندَ اللَّـهِ وَصَلَواتِ الرَّسولِ أَلا إِنَّها قُربَةٌ لَهُم سَيُدخِلُهُمُ اللَّـهُ في رَحمَتِهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾.

التمييز بين العربي والأعرابي

قام ابن منظور بتوضيح الفرق بين العربي والأعرابي، حيث ذكر أن “العربي: منسوب إلى العرب، وإن لم يكن بدوياً، والأعرابي: البدوي، وهم الأعراب”. ووفقاً لهذا التعريف، فإن الأعرابي هو كل من يسكن البادية أو يجاور البدو.

وهذا ما دفع الرافعي للقول بأن “لفظ الأعرابي بعد الإسلام مما يراد به الجفاء وغلظ الطبع، وكانوا يسمون ذلك في الرجل أعرابية، فيقولون للجافي منهم: ألم تترك أعرابيتك بعد؟ وبذلك خرجت الكلمة عن مطلق معنى البادية إلى معنى خاص يلازمها”،

ومن هذا المنطلق، يتضح أن العرب المسلمين لم يذموا الأعراب بدافع عنصري، بل كانوا ينتقدون صفات معينة وجدت فيهم، والتي كانت تشكل عائقاً أمام اندماجهم في المجتمع المدني.

المصادر والمراجع

  • فتاوى دار الإفتاء المصرية
  • محمد رشيد بن علي رضا، تفسير المنار
  • أبو القاسم الكرماني، لباب التفاسير
  • محمد بن منظور، لسان العرب
  • مرتضى الزبيدي، تاج العروس
  • جواد علي، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام
  • مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تدبر في آيات من سورة إبراهيم (42-46)

المقال التالي

فهم معمق لقوله تعالى: والفتنة أشد من القتل

مقالات مشابهة