دروس وعِبر من سورة الزخرف

استخلاص الدروس من قصص الأمم الغابرة. إدراك عظمة الخالق وقدرته. فهم طبيعة الملائكة وأنهم عباد مكرمون. أهمية التدبر وترك الباطل. استحضار حقيقة الحياة الدنيا الزائلة.

التعلم من حكايات الأمم السابقة

يقول الله تعالى: (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ* وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ* فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ).
وكذلك: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَـنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ… فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ).

تستعرض سورة الزخرف أمثلة عديدة على أهمية استخلاص العبر من قصص الأمم التي خلت. تُبين الآيات أن العديد من الأنبياء والرسل قد أُرسلوا إلى مجتمعات سابقة، لكنهم قوبلوا بالاستهزاء والسخرية ورفض الدعوة. كانت النتيجة الحتمية هي دمارهم، بغض النظر عن قوتهم وسطوتهم. يحمل هذا الأمر عزاءً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مواجهة عناد قومه وتكذيبهم لرسالته.

تسهب السورة في ذكر تفاصيل عن أخبار الأمم السالفة، وتسلط الضوء على تعاملهم مع الرسل الكرام، مثل موسى وعيسى عليهما السلام. عندما أتى موسى إلى فرعون وقومه بمعجزات واضحة تدل على صدقه وصدق دعوته، تكبر فرعون وأبى اتباع الحق، وتجاوز الحد في طغيانه وتسلطه على قومه، حتى أطاعوه في ضلاله، فكان مصيره ومصيرهم الهلاك.

أما عيسى عليه السلام، فقد دعا قومه إلى عبادة الله وحده، لكنهم أشركوا به وادعوا أقوالاً باطلة. كان العذاب الأليم مصير هؤلاء وغيرهم ممن ارتكبوا نفس الجرائم. بينما أهل الصلاح، مهما بدوا ضعفاء في نظر الناس، فإن نهايتهم ستكون محمودة، لأنهم مدعومون من رب حكيم عليم.

جلال قدرة الله في الخلق

يقول الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ… وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ).

تشير هذه الآيات إلى أن الناس جميعًا يعلمون أن الله تعالى هو خالق كل شيء. ومع ذلك، فإن الذين انحرفت عقيدتهم لم يتوجهوا بالعبادة إلى خالقهم ومنعمهم، بل عبدوا غيره وجعلوا له شركاء، ونسبوا إليه ما لا يليق بجلاله من الصاحبة والولد، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

إن الإنسان ذو الفطرة السليمة يدرك من خلال التأمل في خلق الله وعظيم قدرته أن العبادة لا يجب أن تكون إلا له وحده، وأن الرجوع إليه حتمي لا مفر منه.

فهم حقيقة الملائكة وعبوديتهم لله

يقول الله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَـنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ* وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَـنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ).

الملائكة الكرام هم عباد مكرمون لله، ولا يمكن وصفهم بذكورة أو أنوثة. ومع ذلك، ادعى بعض الأقوام أنهم إناث وتوجهوا إليهم بالعبادة، مبررين ذلك بأنهم ورثوا هذه المعرفة عن آبائهم، وأن الله تعالى لو لم يرض بهذه العبادة لمنعهم عنها بالعقاب. هذا من الضلال الذي يجب الابتعاد عنه، فليس كل ما ورثناه عن الآباء والأجداد صحيحاً بالضرورة.

أهمية التأمل وتجنب الزيف

يقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ* فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ* وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ).

تنتقد هذه الآيات الكريمة اتباع التقاليد والأعراف بدون دليل، مجرد اتباع أعمى خالٍ من المنطق. وتمتدح نموذجاً آخر، نموذجاً كان برهاناً عملياً على أن التفكر وحسن التدبر يورث الإيمان الخالص. فالفطرة السليمة تدل على الله وترشد إلى توحيده.

هذا النموذج هو النبي إبراهيم عليه السلام، الذي وصف بأنه أمة وحده، فهو الذي سار إلى ربه تاركاً للكفر وأهله. إذ لابد للمرء من استخدام عقله وفكره، وعدم الرضا بالعقائد الباطلة، حتى لو اعتنقها الجميع.

تذكر ضآلة الحياة الدنيا مقارنة بالآخرة

يقول الله تعالى: (وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ).

تشير هذه الآية إلى أن كل ما في الدنيا من ذهب وفضة وغيرهما من المتع، ما هو إلا شيء زائل ومنقطع، وأن العاقبة الحسنة، وهي الجنة في الآخرة، لن تكون إلا لمن آمن بربه واتقاه.

التحذير من الإعراض عن شريعة الله

يقول الله تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ* حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ* وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ* أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ).

تحذر هذه الآيات من الابتعاد عن شريعة الله وذكره، وتوضح أن الشياطين هم من يوسوسون بذلك لأوليائهم، فيضلونهم ويغشون أبصارهم، حتى يظن أتباعهم أن هذا هو طريق الهداية. ولكنهم في الآخرة سيتمنون لو أنهم لم يتبعوهم، ولكن هذه الأمنية لن تنفعهم، ولن ينفعهم كذلك اشتراكهم في العذاب مع من أضلهم وصدّهم عن سبيل الله في الدنيا.

وصف حال المؤمنين والمذنبين يوم القيامة

يقول الله تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ… أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).

تخبر هذه الآيات أن الصداقة التي ستدوم في الآخرة هي الصداقة القائمة على الإيمان والتواصي بالحق.

أما الصداقة المبنية على الكفر والإثم ومحاولة صد أهل الإيمان عن إيمانهم، فستكون وبالاً على أصحابها في الآخرة وستتحول إلى عداوة. ثم تبين هذه الآيات أحوال أهل التقوى في الآخرة، وتصف شيئاً من نعيمهم، وتقابل ذلك بحال المجرمين وما سينالهم من العذاب والهلاك.

تنزيه الله عن الشريك والولد

يقول الله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ… فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).

تنزه هذه الآيات الله تعالى تنزيهاً بالغاً عن الولد، فالولد ممتنع في حقه سبحانه، لأن ذلك يعني النقص والعجز، وهذا مستحيل في حقه.

وقد جاءت هذه الآيات لتقول للنبي محمد أن يقول للكفار على سبيل الافتراض بأنه لو كان لله ولد، فسيكون هو أول من يعبده، ولكن هذا يجب أن يثبت بدليل صادق وصحيح، وهذا مستحيل كما تقدم.

المراجع

  1. سورة الزخرف، آية:6-8
  2. سورة الزخرف، آية:46-65
  3. القرطبي، شمس الدين، كتاب تفسير القرطبي، صفحة 63. بتصرّف.
  4. عبد الرحمن السعدي، كتاب تفسير السعدي، صفحة 767-768. بتصرّف.
  5. سورة الزخرف، آية:9-14
  6. عبد الرحمن السعدي، كتاب تفسير السعدي، صفحة 763. بتصرّف.
  7. ابن الجوزي، كتاب زاد المسير في علم التفسير، صفحة 73. بتصرّف.
  8. سورة الزخرف، آية:19-20
  9. البغوي، أبو محمد، كتاب تفسير البغوي، صفحة 209. بتصرّف.
  10. سورة الزخرف، آية:23-27
  11. أبو الواحدي، كتاب التفسير الوسيط للواحدي، صفحة 69. بتصرّف.
  12. سورة الزخرف، آية:35
  13. البغوي، أبو محمد، كتاب تفسير البغوي، صفحة 212. بتصرّف.
  14. سورة الزخرف، آية:36-41
  15. مجموعة من المؤلفين، كتاب التفسير الوسيط، صفحة 307-308. بتصرّف.
  16. سورة الزخرف، آية:67-80
  17. أبو محمد سيد طنطاوي، كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 97-102. بتصرّف.
  18. سورة الزخرف، آية:81-89
  19. أبو وهبة الزحيلي، كتاب التفسير المنير، صفحة 195. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دروس مستنبطة من حديث “خيركم خيركم لأهله”

المقال التالي

دروس وعِبر من سورة محمد

مقالات مشابهة