جدول المحتويات
نظرة ابن القيم في الإيمان والعمل الصالح
ترك لنا ابن القيم الجوزية إرثاً عظيماً من الأقوال المأثورة التي تتناول جوانب مختلفة من الحياة، وفيما يخص الإيمان والعمل الصالح، فقد كان له نظرة عميقة ومميزة. كان يؤكد دائماً على أهمية الإخلاص في العبادة والعمل، وأن يكون العمل خالصاً لوجه الله تعالى.
في هذا السياق، نجد من كلماته القيّمة:
“لو علم المتصدق حق العلم، وتصور أنّ صدقته تقع في (يد الله) قبل يد الفقير، لكانت لذة المعطي أكبر من لذة الأخذ.”
وهذا يعكس مدى اهتمامه بأن يكون العمل مقروناً بالنية الصادقة والخالصة لله وحده. كما شدد على أهمية الأخلاق في الدين، معتبراً أن الدين كله خلق، وأن من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين، حيث قال:
“الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ.”
كما حث على الصدق مع الله، مؤكداً على أن الصدق يجلب العطف واللطف الإلهي، وأن الله يقيك ما تحذره ويرضيك بما يقدره. وعن الشوق إلى الله، وصفه بأنه نسيم يهب على القلب يروح عنه وهج الدنيا.
ويضيف قيمة أخرى حيث يقول:
“أُصدق مع الله، فإذا صدقت عشت بين عطفه ولطفه، فعطفهُ يقيك ما تحذرهُ، ولَطفه يُرضيك بما يُقدره.”
“الشوقُ إلى الله ولقائه نسيمٌ يَهُبُّ على القلب يُرَوِّحُ عنه وَهَجَ الدُّنيا.”
وبيّن أن فقدان روح الإيمان هو أصعب أنواع الفراق، وأن العبادات تصبح مجرد حركات شفوية إذا خلت من روح الإيمان. وحذر من إرضاء الناس على حساب إرضاء الله، مؤكداً على أن رضا الناس غاية لا تدرك، بينما رضا الله غاية لا تترك.
كما أوضح:
“أصعبُ أنواع الفراق هي أن تُفارقروحُ الإيمانجسدك، فتكون عباداتك مُجرد حركات شفويّة.”
“رضا الناس غاية لا تُدرك، ورضا الله غاية لا تترك، فاترك ما لا يُدرك وأدرك ما لا يُترك.”
رؤية ابن القيم في العلم والسلوك
لم يغفل ابن القيم عن أهمية العلم والعمل، فقد كان يرى فيهما وجهين لعملة واحدة. كان يؤكد على أن العلم يجب أن يكون نافعاً ومقترناً بالعمل، وأن العمل بدونه لا يجدي نفعاً. كان يرى أن شرف العلم يكمن في شرف المعلوم وشدة الحاجة إليه، وأن العلم بالله هو أسمى أنواع العلوم.
ومن كلماته في هذا السياق:
“شرفُ العلم بحسب شرفِ معلومه وشدةِ الحاجة إليه، وليس ذلك إلا العلم بالله وتوابع ذلك.”
وشبه العمل بغير إخلاص ولا اقتداء بالمسافر الذي يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه. وأشار إلى أن العالم إذا مُنح الغنى فقد أُعين على تنفيذ علمه، وإذا أُحوج إلى الناس فقد مات علمه وهو ينظر. كما شبه المعرفة ببساط لا يطأ عليه إلا مقرب، والمحبة بنشيد لا يطرب عليه إلا محب مغرم.
كما أوضح تأثير العلم والعمل فيقول:
“العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملًا يثقله ولا ينفعه.”
“العالِمُ إذا مُنِح غنًى فقد أُعِينَ على تنفيذ علمه، وإذا أُحْوِجَ إلى الناس فقد مات علمه وهو ينظر.”
“المعرفة بساط لا يطأ عليه إلا مقرب، والمحبة نشيد لا يطرب عليه إلا محب مغرم.”
وأكد على أن العمل هو لقاح العلم، وأنهما إذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة، وإن انفرد أحدهما عن الآخر لم يُفِدْ شيئًا.
مضيفاً على أهمية العمل:
“العمل لِقاح العلم؛ فإذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة، وإن انفرد أحدهما عن الآخر لم يُفِدْ شيئًا.”
آراء ابن القيم في معترك الحياة
في نظرته للحياة، كان ابن القيم يرى أن الدنيا لا تستحق أن نعدو خلفها، وأن أعظم الربح فيها هو أن تشغل نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها. كان يحذر من الانغماس في الدنيا ونسيان الآخرة.
ومن أقواله المأثورة في هذا الشأن:
“الدنيا لا تُساوي نقل أقدامك إليها، فكيف تعدو خلفها؟!”
وأوضح أن أصل الأخلاق المذمومة كلها هو الكبر والمهانة والدناءة، وأن أصل الأخلاق المحمودة كلها هو الخشوع وعلو الهمة. كما أشار إلى أن من استطال الطريق ضعف مشيه، وأن أغبى الناس من ضل الطريق في آخر سفره وقد قارب المنزل.
ويضيف:
“أعظم الربح في الدنيا أن تُشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها، وأنفع لها في معادها.”
“أصل الأخلاق المذمومةِ كلِّها: الكبرُ والمهانة والدناءة، وأصل الأخلاق المحمودة كلها: الخشوع وعلو الهمة.”
“من استطال الطريق ضعف مشيه.”
“أغبى الناس من ضلَّ الطريق في آخر سفره، وقد قارب المنزل.”
وشبه الدنيا بالجيفة، وأن الأسد لا يقع على الجيف. وأكد على أهمية مجالسة العارف، وأنها تدعوك من الشك إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الطوية إلى النصيحة.
كما أشار إلى ذلك:
“الدنياجيفة، والأسد لا يقع على الجيف.”
“مجالسة العارف تدعوك من ستٍّ إلى ستٍّ: من الشكِّ إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الغفلة إلى الذِّكر، ومن الرَّغبة في الدُّنيا إلى الرَّغبة في الآخرة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الطويَّة إلى النصيحة.”
تأملات ابن القيم في النفس والوجدان
كان لابن القيم تأملات عميقة في النفس والقلب، وكان يرى أن القلب هو أساس كل شيء، وأنه يجب تطهيره وتزكيته. شبه القلب بالماء المالح الذي يصعد إلى السماء بخارًا فيكون غمامًا، ثم يعود إلى الأرض غيثًا عذبًا نقيًا، ودعا إلى أن نصعد بقلوبنا إلى السماء لنرى كيف تعود.
ومن كلماته في هذا المضمار:
“يصعد ماء البحر المالح إلى السماء بخارًا فيكون غمامًا، ثم يعود إلى الأرض غيثًا عذبًا نقيًا، اصعد بقلبك إلى السماء وانظر كيف يعود.”
وحذر من النفس، مؤكدًا على أنها مصدر كل بلاء، ودعا إلى عدم مهادنتها، وأن من لم يهنها لم يكرمها، ومن لم يذلها لم يعزها، ومن لم يكسرها لم يجبرها، ومن لم يتعبها لم يرحها، ومن لم يخوفها لم يؤمنها، ومن لم يحزنها لم يفرحها. ودعا إلى شراء النفس، مؤكدًا على أن السوق قائمة والثمن موجود.
كما وجه نصيحة ثمينة:
“احذر نفسك، فما أصابك بلاء قط إلا منها، ولا تهادنها، فوالله ما أكرمها من لم يُهنها، ولا أعزها من لم يُذلها، ولا جبرها من لم يكسرها، ولا أراحها من لم يتعبها، ولا أمنها من لم يخوفها، ولا فرحها من لم يُحزنها.”
“اشترِ نفسك؛ فالسوق قائمة، والثمن موجود.”
وأوضح أن قسوة القلب تأتي من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل والنوم والكلام والمخالطة. وأشار إلى أن من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس، ومن عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه. وأكد على أنه إذا قسا القلب قحطت العين، وأن أبعد القلوب من الله هو القلب القاسي.
كما تحدث عن ذلك:
“قسوة القلبمن أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل، والنوم، والكلام، والمخالطة.”
“من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس، ومن عرفَ ربَّهُ اشتغل به عن هوى نفسه.”
“إذا قسا القلب قحطت العين.”
“أبعدُ القلوب من الله القلبُ القاسي.”
وبين أنه ما ضُرِبَ عبدٌ بعقوبةٍ أعظمَ من قسوة القلب والبعدِ عن الله. وأكد على أن العيون مغاريف القلوب، بها يُعرف ما في القلب وإن لم يتكلم صاحبها. وأشار إلى أن أخسر الناس صفقةً هو من اشتغل عن الله بنفسه، وأخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس.
وكذلك:
“ما ضُرِبَ عبدٌ بعقوبةٍ أعظمَ من قسوة القلب والبعدِ عن الله.”
“إنّ العيون مغاريف القلوب، بها يُعرف ما في القلب، وإن لم يتكلم صاحبها.”
“أخسر الناس صفقةً، من اشتغل عن الله بنفسه، وأخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس.”
وأشار إلى أن للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية؛ فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يُوسوس له؛ فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها، والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده، والقلوب جوالة في هذه المواطن. وحذر من إطلاق البصر، مؤكدًا على أنه ينقش في القلب صورة المنظور، وأن القلب كعبة والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام. وشبه البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ.
وأشار إلى ذلك:
“للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية؛ فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يُوسوس له؛ فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها، والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده، والقلوب جوالة في هذه المواطن.”
“إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور، والقلب كعبة والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام.”
“كما أنّ البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ.”
مفاهيم ابن القيم في الحزن والجلد
تناول ابن القيم قضية الحزن والصبر، مبيناً أن من تلمح حلاوة العافية هان عليه مرارة الصبر. وأكد على أن الصبر على عطش الضر خير من الشرب من شِرْعة منٍّ. وبين أنه لا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له. وحذر من الحزن، مؤكدًا على أنه يضعف القلب وُيوهن العزم ويغيّر الإرادة، وأنه لا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن.
ومن أقواله:
“من تلمح حلاوة العافية هان عليه مرارة الصبر.”
“الصبر على عطش الضر، ولا الشرب من شِرْعة منٍّ.”
“لا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له.”
“الحزن يضعف القلب، ويُوهن العزم ويغيّر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن.”
كما حذر من إفساد الفرحة بالقلق، وإفساد العقل بالتشاؤم، وإفساد النجاح بالغرور، وإفساد تفاؤل الآخرين بإحباطهم، وإفساد اليوم بالنظر إلى الأمس. ودعا إلى التأمل في حالنا، وأن الله أعطانا أشياءً دون أن نطلبها، وأن نثق بأن الله لم يمنع عنا حاجة رغبناها إلا ولك في المنع خيرًا نجهله.
كما نصحنا:
“لا تُفسد فرحتك بالقلق، ولا تُفسد عقلك بالتشاؤم، ولا تُفسد نجاحك بالغرور، ولا تُفسد تفاؤل الآخرين بإحباطهم، ولا تُفسد يومك بالنظر إلى الأمس، لو تأملت في حالك لوجدت أنّ الله أعطاك أشياءً دون أن تطلبها، فثق أنّ الله لم يمنع عنك حاجة رغبتها إلا ولك في المنع خيرًا تجهله.”