استخلاصات من حديث “خيركم خيركم لأهله”
ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
“خَيْرُكم خَيْرُكم لِأَهْلِه، وأَنا خَيْرُكم لِأَهْلي”
(1) وفي رواية أخرى:
“خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي، وإذا ماتَ صاحبُكُم فدَعوهُ”
(2). هذا الحديث النبوي الشريف يحمل في طياته إشارة واضحة إلى ضرورة الإحسان واللطف في التعامل مع الأهل والعشيرة، كما يحث على الامتناع عن ذكر الميت بسوء.
النبي مثال الكمال والإحسان
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قمة في الأخلاق الحسنة، وأكثر الناس رفقًا ولينًا مع زوجاته وأهل بيته. كان يتفقد أحوالهن باستمرار، ويعاشرهن بالمعروف والمودة، ويعدل بينهن في كل شيء، سواء في السفر أو الإقامة. كان يحرص على الوفاء لهن، ويحفظ لهن مكانتهن حتى بعد وفاتهن، كما هو معلوم من وفائه العظيم للسيدة خديجة -رضي الله عنها- (3).
الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة توثق مظاهر لطفه -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته، ومداعبته وملاطفته لهن، ومساعدته لهن في شؤون المنزل. لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يثقل عليهن، بل كان يخدم نفسه بنفسه، فيخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويصلح نعله، ويعين أهله في ما يحتاجونه من أمور الحياة.
تحقيق الخيرية بالتعامل الحسن
يشير الحديث السابق إلى أحد الجوانب المضيئة في الدين الإسلامي الحنيف، والذي يدعو المسلمين إلى التحلي بالفضل والإحسان في تعاملهم مع زوجاتهم وأبنائهم وأفراد عائلاتهم، وأن يقتدوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان مثالًا للخيرية المطلقة والخلق الرفيع في تعامله مع كافة الناس (4).
لقد أولى الإسلام اهتمامًا بالغًا بالعلاقة بين الزوجين، وحث على حسن المعاملة بينهما، وشدد على ضرورة الحفاظ على المعروف والود المتبادل بينهما. وقد وردت العديد من النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة التي تؤكد على ذلك، ومنها:
- قوله -عز وجل-:(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى).(5)(6)
- قوله -تعالى-:(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). (7)
- قوله -صلى الله عليه وسلم-:(لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجُدَ لأحدٍ، لأمرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها).(8)
- ما روي عن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:(يا رسولَ اللَّهِ ما حقُّ زوجِ أحدِنا عليهِ؟، قالَ: تطعِمُها إذا أكلتَ، وتكسوها إذا اكتسيْتَ، ولا تضرِبِ الوجهَ، ولا تقبِّحْ ولا تهجُر إلَّا في البيتِ).(9)
إن إحسان الزوجين إلى بعضهما البعض له تأثير إيجابي كبير على الأبناء، وعلى طبيعة العلاقة بينهم، كما أنه يحمي كل واحد منهما من الفتن والمغريات المحيطة التي أدت إلى خراب البيوت وتدهور العلاقات الأسرية، نتيجة إهمال كل طرف للآخر.
تذكر الموتى بالجميل
في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(وإذا ماتَ صاحبُكُم فدَعوهُ)، تكمن عدة دلالات ومعانٍ، منها (10):
- الحث على عدم الإفراط في الحزن والتحسر على فقد الميت.
- التأكيد على أن الله -سبحانه وتعالى- هو خير حافظ وخليفة للأهل والأحبة، وهو خير من يعوض الفاقد.
- وجوب الامتناع عن إيذاء الميت بالكلام البذيء أو السيء، أو إيذاء أهله وذويه.
- احتمالية أن يكون المقصود هو النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه، وتوجيه الناس إلى عدم إيذائه بأهل بيته.
المصادر
- رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:365، صحيح.
- رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3895، صحيح.
- عبد الرحيم الطحان،خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان، صفحة 2. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1007. بتصرّف.
- لا يوجد،التكافل الاجتماعي، صفحة 8. بتصرّف.
- سورة البقرة، آية:83
- سورة البقرة، آية:231
- رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1159، صحيح.
- رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن معاوية بن حيدة القشيري، الصفحة أو الرقم:1129، حسن.
- البيضاوي،تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، صفحة 377. بتصرّف.