افتتاحية المقال
الحمد لله، نستعينه ونستغفره ونتوب إليه. نحمده سبحانه على نعمه الظاهرة والباطنة، ونسأله الهداية والتوفيق. إن شهر رمضان فرصة عظيمة للتزود بالخيرات، واجتناب المحرمات، وتحسين الأخلاق. فالله سبحانه وتعالى اختار أمة الإسلام لتكون خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحث على خشية الله
أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، ومراقبته في السر والعلن. فتقوى الله هي سبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه، وتذكروا دائماً أنكم سترجعون إليه. اتعظوا بقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
الخطبة الأولى: نبذ الكبرياء
أيها الإخوة الكرام، في رحاب شهر رمضان المبارك، شهر الصفاء الروحي والتأمل الذاتي، نسلط الضوء اليوم على صفتين ذميمتين يجب الابتعاد عنهما، لما فيهما من خطر على الفرد والمجتمع، وهما: الكبرياء والتعالي. صفتان متلازمتان، وسنستعرض -بعون الله تعالى- الأسباب التي تؤدي إليهما، والنتائج المترتبة عليهما، وكيفية التغلب عليهما.
لا يخفى عليكم خطر الكبر، فقد حذرنا منه النبي -صلى الله عليه وسلم- تحذيراً شديداً، حتى ولو كان بمقدار ذرة، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:(لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ).[رواه مسلم]
كيف نجرؤ على الكبرياء والله تعالى يقول في الحديث القدسي:(الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ).[رواه ابن حبان]
لقد ذم الله المتكبرين في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وبين أن عاقبتهم سيئة، ومثال ذلك ما حدث لإبليس عندما رفض السجود لآدم:(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).[البقرة: 34].
وكذلك ما وصف به نوح -عليه السلام- قومه:(وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا).[نوح: 7].
إن أسباب الكبر والغرور متعددة، وأبرزها:
- الاعجاب بالنفس: وهو بداية الطريق إلى التكبر على الآخرين.
- الحقد والحسد: فالحقد يمنع الإنسان من التواضع لمن يكرهه أو يحسده.
- الرياء: وهو محاولة إظهار العلم والمعرفة أمام الناس، حتى لو كان الشخص أقل علماً.
أما آثار الكبر وأضراره، فهي وخيمة على الفرد والمجتمع، ومنها:
- فقدان الاعتبار: حيث يبقى الشخص متمسكاً بعيوبه وأخطائه دون تصحيح.
- القلق والاضطراب النفسي: لأن المتكبر يسعى دائماً للترفع والتعالي، مما يصيبه بالإحباط.
- الحرمان من الجنة: واستحقاق العذاب في النار.
- الشعور بالوحدة والعزلة: لأن الناس يميلون إلى التواضع واللين.
- تفكك المجتمع: وانتشار الخلافات وعدم القدرة على الإصلاح.
وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الحالة، حيث قال:(بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ).[رواه ابن حبان]
ولعلاج الكبر، يمكن اتباع الخطوات التالية:
- تذكر عواقب الكبر في الدنيا والآخرة.
- زيارة المرضى والمحتضرين وتشييع الجنائز وزيارة القبور.
- الابتعاد عن المتكبرين ومصاحبة المتواضعين.
- مجالسة الفقراء والمساكين وذوي الحاجات.
- التأمل في النفس والكون والنعم التي أنعم الله بها علينا.
- دراسة سير المتكبرين وعاقبتهم.
- حضور مجالس العلم والذكر.
- القيام بالأعمال التي قد يراها البعض مهينة، مثل شراء الحاجيات بنفسك.
- تذكر أن معيار التفاضل في الإسلام هو التقوى.
الخطبة الثانية: أهمية التواضع
الحمد لله حمداً يليق بجلاله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أيها الأحبة، إن التكبر والغرور صفتان ممقوتتان عند الله وعند الناس، وهما دليل على ضعف النفس وهشاشتها. فالعظماء الحقيقيون هم أكثر الناس تواضعاً، وقد كان الأنبياء -عليهم السلام- خير مثال للتواضع. فلنتأسى بهم ونتجنب الكبر.
التكبر مشكلة حقيقية، ولتجنبها يجب على المسلم مراقبة نفسه، والتعرف على أسباب الكبر لتجنبها، ومعرفة آثارها السلبية على الفرد والمجتمع. لقد قدمنا في خطبتنا هذه بعض النصائح والإرشادات التي تساعد على التخلص من الكبر، ونسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا.
الدعاء
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد. اللهم حسّن أخلاقنا، وطهّر قلوبنا، وزكّ نفوسنا. اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. وصل يا رب وسلم على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم. عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المراجع
المرجع | التفاصيل |
---|---|
القرآن الكريم | سورة البقرة، آية:281 |
صحيح مسلم | رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:91، صحيح. |
المستدرك على الصحيحين للحاكم | رواه ابن حبان، في المستدرك، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5671، صحيح. |
القرآن الكريم | سورة البقرة، آية:34 |
القرآن الكريم | سورة نوح، آية:7 |
موسوعة الأخلاق الإسلامية | مجموعة من الباحثين (1433)،موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 478-482، جزء 2. بتصرّف. |
المستدرك على الصحيحين للحاكم | رواه ابن حبان، في المستدرك، عن أبو ثعلبة، الصفحة أو الرقم:385، صحيح. |