جدول المحتويات
مقدمة
ابن القيم الجوزية، رحمه الله، من أعلام الأمة الإسلامية، ترك لنا إرثًا عظيمًا من العلم والحكمة. أقواله تحمل في طياتها دروسًا قيمة ومواعظ مؤثرة، تنير لنا دروب الحياة، وتهدينا إلى الطريق المستقيم. فيما يلي، نستعرض بعضًا من هذه الدرر، التي تتناول جوانب مختلفة من حياتنا، من الدنيا إلى القلب، مرورًا بالذنوب والتأملات.
أقوال في شؤون الدنيا
نظرة ابن القيم للدنيا كانت نظرة زاهدٍ عارف، مدركًا لقيمتها الحقيقية ومآلها الزائل. من كلماته في هذا الشأن:
- “الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة؛ فكيف بغم العمر؟!”
- “أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها، وأنفع لها في معادها.”
- “يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكائه على نفسه، وثنائه على ربه.”
- “اخرج بالعزم من هذا الفناء الضيق، المحشوِّ بالآفات إلى الفناء الرحب، الذي فيه ما لا عين رأت؛ فهناك لا يتعذر مطلوب، ولا يفقد محبوب.”
- “لما رأى المتيقظون سطوةَ الدنيا بأهلها، وخداع الأمل لأربابه، وتملك الشيطان، وقيادة النفوس، ورأوا الدولة للنفس الأمارة – لجأوا إلى حصن التعرض، والالتجاء كما يلتجأ العبد المذعور إلى حرم سيده.”
- “إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنِسُوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله.”
هذه الأقوال تدعونا إلى عدم الانغماس في ملذات الدنيا الزائلة، والتركيز على ما هو أبقى وأنفع في الآخرة.
نصائح حول المعاصي والذنوب
كان ابن القيم شديد الحرص على تحذير الناس من الوقوع في الذنوب والمعاصي، وبيان آثارها المدمرة على الفرد والمجتمع. من أقواله في هذا السياق:
- “دافع الخطرة؛ فإن لم تفعل صارت شهوة وهمة؛ فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة؛ فيصعب عليك الانتقال عنها.”
- “مَنْ عَظُم وقار الله في قلبه أن يعصيه – وقَّره الله في قلوب الخلق أن يذلوه.”
- “مثال تولُّد الطاعة، ونموِّها، وتزايدها – كمثل نواة غرستها، فصارت شجرة، ثم أثمرت، فأكلتَ ثمرها، وغرستَ نواها؛ فكلما أثمر منها شيء جنيت ثمره، وغرست نواه..وكذلك تداعي المعاصي؛ فليتدبر اللبيب هذا المثال؛ فمن ثواب الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها.”
- “الذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل.”
- “يا مستفتحاً باب المعاش بغير إقليد التقوى! كيف توسع طريق الخطايا، وتشكو ضيق الرزق؟”
- “المعاصي سد في باب الكسب، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.”
هذه النصائح القيمة تذكرنا بأهمية مراقبة النفس ومحاسبتها، وتجنب أسباب المعاصي والذنوب.
حكم عن أحوال القلب
يعتبر القلب مركز الإيمان ومصدر السعادة والشقاء. اهتم ابن القيم بأحوال القلب، ودعا إلى تطهيره من الأدناس والأهواء. من أقواله في هذا المجال:
- “من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته.”
- “القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها.”
- “القلوب آنية الله في أرضه، فأحبه إليه أرقها، وأصلبها، وأصفاها.”
- “خرابُ القلب من الأمن والغفلة، وعمارتُه من الخشية والذكر.”
- “القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة، وجلاؤه بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسم، وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة، والتوكل، والمحبة، والإنابة.”
- “كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب – فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ.”
- “قسوة القلب من أربعة أشياء، إذا جاوزت قد الحاجة: الأكل، والنوم، والكلام، والمخالطة.”
- “إذا حملت على القلب هموم الدنيا وأثقالها، وتهاونت بأوراده التي هي قوته وحياته كنت كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتها، ولا يوفيها علفها؛ فما أسرع ما تقف به.”
- “ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، والبعد عن الله.”
هذه الحكم تذكرنا بأهمية العناية بالقلب وتغذيته بالإيمان والذكر، وتجنب ما يمرضه ويقسيه.
تأملات ودروس مستفادة
ترك لنا ابن القيم العديد من الخواطر والتأملات التي تستحق التدبر والتأمل. من هذه الخواطر:
- “الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة؛ فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبةً، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامُه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هماً، وغماً، وحزناً، وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدواً، أو تحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول؛ فإن الأعمال تورث الصفات، والأخلاق.”
- “من أعجب الأشياء أن تعرفه، ثم لا تحبه، وأن تسمع داعِيَهُ ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه، وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب.”
هذه التأملات تدعونا إلى التفكر في عظمة الله، والاقبال عليه، وتجنب ما يغضبه ويبعدنا عنه.