مقدمة
إن الكلام فن، والصمت فن أسمى. غالبًا ما نتجاهل قوة الصمت وأهميته في حياتنا. الإيجاز في الكلام والقدرة على الإصغاء هما صفتان حميدتان تُظهران رجاحة العقل وحسن التدبير. هذه المقالة تسلط الضوء على بعض الحكم والأمثال والأشعار التي تتناول هذا الجانب المهم.
حِكم حول الإقلال من الحديث
تواترت الأقوال المأثورة التي تحث على الصمت وتبيّن فضله، ومن هذه الأقوال:
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:”ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ”.
- قال علي بن أبي طالب: “إذا تمَّ العقل نقص الكلام، وبكثرة الصمت تكون الهيبة”.
- قال أبو بكر الصديق: “احفظ لسانكَ أن تقول فَتُبتَلى، إنّ الْبلاءَ مُوَكَّلٌ بِالمَنْطِقِ”.
- قال عبد الله بن مسعود: “إن كان الشُّؤم ففي اللِّسان، ووالله ما على وجه الأرض شيءٌ أحقّ بطول سجن من اللسان”.
- قال أبو الدرداء: “من فقه الرَّجل قلَّة كلامه فيما لا يُعنيه”.
- قال الإمام الشافعي: “إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يُفكِّر في كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلَّم حتى تظهر”.
- قال لقمان الحكيم: “يا بني إذا افتخَر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك”.
- قال عمرو بن العاص: “الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل”.
- قال وهب ابن الورد: “بلغَنا أنّ الحكمة عشرة أجزاء، تسعٌ منها في الصمت، والعاشر في عزلة الناس”.
- قال مالك بن أنس: “لا خير في كثرة الكلام، واعتبر ذلك بالنساء والصبيان، إنّما هم أبدًا يتكلمون لا يصمتون.”
- قال الحسن البصري: “لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلَّم فكَّر، فإن كان له قال، وإن كان عليه سكت، وقلب الجاهل من وراء لسانه.”
- قال شفي بن نافع الأصبحي: “من كثر كلامه كثرت خطيئته.”
- قال سفيان الثوري: “لأنْ أرمي رجلاً بسهم أحب إلي من أن أرميه بلساني.”
- قال عطاء: “البرّ ثلاثةٌ المنطق والنظر والصَّمت، فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير اعتبارٍ فقد سها، ومن كان صمته في غير تفكّر فقد لها.”
- قال الحسن البصري: “ابن آدم، وُكل بك ملكان كريمان: ريقك مدادهما، ولسانك قلمهما.”
أمثال شعبية عن الصمت
تجسد الأمثال الشعبية خلاصة تجارب الشعوب وتعكس قيمها. إليكم بعض الأمثال التي تتحدث عن الصمت:
- “إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب.”
- “أملكُ الناس لنفسه، من كتم سرَّه عن صديقه وخليله.”
- “حفظ اللسان راحة الإنسان.”
- “بعض السُّكوت يفوق كل بلاغة.”
- “الصَّمت يكسِب أهله المحبَّة.”
- “اللسان مركب ذلولٌ.”
- (مثل صيني) “لا تتحدث عن أمر تسمعه، تجاهل كل أمر تستنطَق بشأنه، لا تتدخل بأمر لا يخصُّك، عُد إلى بيتك حالما لا يُوجد أيّ أمر.”
- (مثل صيني) “من يعرف لا يتكلم، من يتكلم لا يعرف.”
- (مثل إنجليزي) “الصمت أفضل من الكلام الفارغ.”
- (مثل فرنسي) “فكِّر أولًا قبل أن تتكلَّم.”
- (مثل فرنسي) “ما كل ما يعلَم يُقال.”
- (مثل فرنسي) “من تكلَّم بما لا يُعنيه، سمع ما لا يُرضيه.”
أبيات شعرية في فضل السكوت
تناول الشعراء قديماً وحديثاً موضوع الصمت وأثره، وإليكم بعض الأبيات:
قال علي بن أبي طالب:
فَلا تُكثِرَنَّ القَولَ في غَيرِ وَقتِهِ
وَأَدمِن عَلى الصَمتِ المُزيِّنِ لِلعَقلِ
يَموتُ الفَتى مِن عَثرَةٍ بِلسانِهِ
وَلَيسَ يَموتُ المَرءُ مِن عَثرَةِ الرِّجلِ
قال أبو العلاء المعري:
قَد يُحسَبُ الصَمتُ الطَويلُ مِنَ الفَتى
حِلمًا يُوَقَّرُ وَهُوَ فيهِ تَخَلُّفُ
نَرجو مِنَ اللَهِ الثَوابَ مُجازِيًا
وَلَهُ عَلَينا في القَديمِ تَسَلُّفُ
قال نزار قباني:
هل تسمعين أشواقي
عندما أكون صامتًا؟
إنَّ الصمت يا سيدتي
هو أقوى أسلحتي
أفضل أن تصمتي وأنت في مملكتي
فالصمت أقوى تعبيرًا من النطق
وأفضلُ من الكلام الهمس
قال أبو العلاء المعري:
الصَمتُ أَولى وَما رِجلٌ مُمَنَّعَةٌ
إِلّا لَها بِصُروفِ الدَهرِ تَعثيرُ
قال الأحنف العكبري:
أيُّها المرء لا تقولنَّ قولًا
لست تدري ماذا يصيبك منه
أخِّر القول إنَّ في الصمت حكمًا
وإذا أنت قلت قولًا فزنه
وإذا الناس أمعنوا في حديثٍ
ليس ممَّا يعبأ به فالهُ عنه
قال الخبز أرزي:
لسانُ الفتى حتف الفتى حين يجهلُ
وكلُّ امرئٍ ما بين فكَّيه مقتلُ
إذا ما لسان المرءِ أكثر هذره
فذاك لسان بالبلاء موكَّلُ
وكم فاتحٍ أبواب شرٍّ لنفسه
إذا لم يكن قفلٌ على فيه مُقفَلُ
