دراسة في معلقة عمرو بن كلثوم

دراسة في قصيدة عمرو بن كلثوم الشهيرة. تحليل للمقدمة، وصف الناقة، صور الفخر والحرب، وخلفية حول القصيدة وأهميتها.

تمهيد

تعتبر معلقة عمرو بن كلثوم من أبرز روائع الشعر العربي القديم. تحتل هذه القصيدة مكانة مرموقة ضمن مجموعة المعلقات، وهي قصائد طويلة اشتهرت في العصر الجاهلي. تتناول القصيدة مواضيع متنوعة تعكس جوانب مختلفة من الحياة العربية في تلك الفترة، مثل الفخر القبلي، وصف المعارك، والكرم، وغيرها من القيم التي كانت تحظى بتقدير كبير في المجتمع الجاهلي.

استهلال القصيدة

تتميز بداية معلقة عمرو بن كلثوم بقوة العبارة وجزالة الأسلوب. يستهل الشاعر قصيدته بالدعوة إلى جلب الخمر، واصفاً إياها بصفات تدل على جودتها وأصالتها. فيما يلي بعض الأبيات من مطلع القصيدة:

أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فأصبحينا:::وَلا تُبقي خُمورَالأَندَرينا

مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيه:::إذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا

تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ:::إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا

تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت:::عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا

صَبَنتِ الكَأسَ عَنّا أُمَّ عَمرٍو:::وَكانَ الكَأَسُ مَجراها اليَمينا

وَما شَرُّ الثَلاثَةِ أُمَّ عَمرٍو:::بِصاحِبِكِ الَّذي لا تَصبَحينا

وَكَأسٍ قَد شَرِبتُ بِبَعلَبَكٍّ:::وَأُخرى في دِمَشقَ وَقاصِرينا

وَإِنّا سَوفَ تُدرِكُنا المَنايا:::مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدَّرينا

[1]

يتوجه الشاعر بالحديث إلى أم الملك، داعياً إياها لتقديم الخمر الفاخرة. يصف الخمر بأنها متلألئة وذات صفاء عالٍ، قادرة على تليين الطباع وتغيير سلوك البخيل. ثم ينتقل الشاعر إلى مخاطبة أم عمرو مباشرة، مطالباً إياها بتقديم الخمر له ولرفاقه. يعبر عن رغبته في ارتشاف الخمر في مدن مختلفة تشتهر بصناعتها، ويختم هذه المقدمة بالإشارة إلى حقيقة الموت المحتوم الذي ينتظر الجميع.

تصوير الناقة

لا تخلو القصيدة العربية القديمة من وصف الناقة، فهي جزء أساسي من حياة العربي وبيئته. يقدم عمرو بن كلثوم وصفاً دقيقاً وجميلاً لناقته، مبرزاً قوتها وجمالها. إليكم بعض الأبيات التي يصف فيها ناقته:

ذِراعَي عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ:::هِجانِ اللَونِ لَم تَقرَأ جَنينا

وَثَدياً مِثلَ حُقِّ العاجِ رَخص:::حَصاناً مِن أَكُفِّ اللامِسينا

وَمَتنَي لَدنَةٍ سَمَقَت وَطالَت:::رَوادِفُها تَنوءُ بِما وَلينا

وَمَأكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنه:::وَكَشحاً قَد جُنِنتُ بِهِ جُنونا

وَساريَتَي بَلَنطٍ أَو رُخامٍ:::يَرِنُّ خُشاشُ حَليِهِما رَنينا

فَما وَجَدَت كَوَجدي أُمُّ سَقبٍ:::أَضَلَّتهُ فَرَجَّعَتِ الحَنينا

وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاه:::لَها مِن تِسعَةٍ إَلّا جَنينا

تَذَكَّرتُ الصِبا وَاِشتَقتُ لَمّ:::رَأَيتُ حُمولَها أُصُلاً حُدينا

فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت:::كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا

[1]

يصف الشاعر الناقة بأنها قوية البنية، بيضاء اللون، ولم يسبق لها الحمل، مما يحافظ على قوتها. يصف ثدييها بالصغر والجمال، ويشير إلى قوة متنها وثقل أردافها. يذكر أيضاً ضخامة جسمها وصلابة سيقانها. يعبر الشاعر عن حنينه إلى أيام الصبا عند رؤيته لهذه الناقة، ويشبه أرض اليمامة بالسيوف المسلولة.

مشاهد الفخر والمعارك

تعتبر أبيات الفخر والحرب من أهم أقسام معلقة عمرو بن كلثوم. يعبر الشاعر فيها عن اعتزازه بقبيلته وقوتها وشجاعتها في الحروب. يصف المعارك التي خاضتها قبيلته، ويبرز كرمهم وشجاعتهم في الدفاع عن حقوقهم.

أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا:::وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا

بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيض:::وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا

وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ:::عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا

وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ:::بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا

تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيه:::مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا

وَأَنزَلنا البُيوتَ بِذي طُلوحٍ:::إِلى الشاماتِ تَنفي الموعِدينا

وَقَد هَرَّت كِلابُ الحَيِّ مِنّا:::وَشذَّبنا قَتادَةَ مَن يَلينا

مَتى نَنقُل إِلى قَومٍ رَحان:::يَكونوا في اللِقاءِ لَها طَحينا

يَكونُ ثِفالُها شَرقِيَّ نَجدٍ:::وَلُهوَتُها قُضاعَةَ أَجمَعينا

نَزَلتُم مَنزِلَ الأَضيافِ مِنّا:::فَأَعجَلنا القِرى أَن تَشتُمونا

قَرَيناكُم فَعَجَّلنا قِراكُم:::قُبَيلَ الصُبحِ مِرداةً طَحونا

نَعُمُّ أُناسَنا وَنَعِفُّ عَنهُم:::وَنَحمِلُ عَنهُمُ ما حَمَّلونا

نُطاعِنُ ما تَراخى الناسُ عَنّه:::وَنَضرِبُ بِالسُيوفِ إِذا غُشينا

بِسُمرٍ مِن قَنا الخَطِّيِّ لُدنٍ:::ذَوابِلَ أَو بِبيضٍ يَختَلينا

كَأَنَّ جَماجِمَ الأَبطالِ فيه:::وُسوقٌ بِالأَماعِزِ يَرتَمينا

نَشُقُّ بِها رُؤوسَ القَومِ شَقّ:::وَنُخليها الرِقابَ فَتَختَلينا

وَإِنَّ الضِغنَ بَعدَ الضِغنِ يَبدو:::عَلَيكَ وَيَخرِجُ الداءَ الدَفينا

وَرِثنا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ:::نُطاعِنُ دونَهُ حَتّى يَبينا

وَنَحنُ إِذا عَمادُ الحَيّ خَرَّت:::عَنِ الأَحفاضِ نَمنَعُ مَن يَلينا

نَجُذُّ رُؤوسَهُم في غَيرِ بِرٍّ:::فَما يَدرونَ ماذا يَتَّقونا

كَأَنَّ سُيوفَنا فينا وَفيهِم:::مَخاريقٌ بِأَيدي لاعِبينا

كَأَنَّ ثيابَنا مِنّا وَمِنهُم:::خُضِبنَ بِأَرجوانٍ أَو طُلينا

إِذا ما عَيَّ بِالإِسنافِ حَيٌّ:::مِنَ الهَولِ المُشَبَّهِ أَن يَكونا

نَصَبنَا مِثلَ رَهوَةَ ذاتَ حَدٍّ:::مُحافَظَةً وَكُنّا السابِقينا

بِشُبّانٍ يَرَونَ القَتلَ مَجد:::وَشيبٍ في الحُروبِ مُجَرَّبينا

[1]

يبدأ الشاعر بالافتخار بقبيلته، ويصفهم بالشجاعة والكرم. يذكر أنهم يعيدون الرايات حمراء بعد المعارك، ويشير إلى أنهم عصوا الملوك السابقين. يصف خيولهم بأنها دائماً جاهزة للحرب، وأنهم يكرمون الضيوف ويعجلون بتقديم الطعام لهم. يتحدث عن أسلحتهم ورماحهم وسيوفهم التي يشقون بها رؤوس الأعداء. يؤكد أنهم ورثوا المجد، وأن شبابهم يرون القتل مجداً، وكبارهم محنكون في الحروب.

يُظهر هذا القسم من القصيدة مدى اعتزاز الشاعر بقبيلته وقيمها، ويبرز شجاعتهم وكرمهم وقدرتهم على مواجهة الأعداء.

نبذة عن القصيدة

تُعد معلقة عمرو بن كلثوم تحفة فنية تعكس روح العصر الجاهلي. تجاوزت أبياتها المئة، وتضمنت مواضيع متعددة تعكس الحياة العربية وتقاليدها. تعتبر القصيدة وثيقة تاريخية هامة تساعدنا على فهم طبيعة المجتمع العربي في تلك الفترة.

يرجع سبب نظم هذه القصيدة إلى قصة تروي أن الملك عمرو بن هند كان يفضل إذلال العرب. دعا عمرو بن كلثوم وقبيلته وأمه إلى قصره، وأمر أمه بأن تطلب من ليلى، أم عمرو بن كلثوم، أن تساعد الخدم، بهدف إذلالها. عندما فعلت أم الملك ذلك، استغاثت ليلى بابنها، فقام عمرو بن كلثوم وقتل الملك بسيف معلق، ثم نهبت قبيلته القصر انتقاماً لكرامتهم. بعد ذلك، أنشد الشاعر معلقته الشهيرة.

المراجع

  1. “ألا هبي بصحنك فأصبحينا”، الديوان، تم الاطلاع عليه بتاريخ 12/1/2022.
  2. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 173. بتصرّف.
  3. التبريزي، شرح القصائد العشر، صفحة 307-309. بتصرّف.
  4. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 176-177. بتصرّف.
  5. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 178-179. بتصرّف.
  6. يحيى التبريزي، شرح القصائد العشر، صفحة 312-309. بتصرّف.
  7. التبريزي، شرح القصائد العشر، صفحة 314-316. بتصرّف.
  8. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 169-170. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة في معلقة طرفة بن العبد: إذا القوم قالوا من فتى

المقال التالي

دراسة في قصيدة عنترة بن شداد

مقالات مشابهة