دراسة في معلقة امرئ القيس

دراسة أدبية معمقة لمعلقة امرئ القيس. استكشاف المعاني والأفكار الرئيسية. تحليل فني للصور الشعرية والتشبيهات في القصيدة.

مدخل إلى معلقة امرئ القيس

تُعد معلقة امرئ القيس من أبرز وأشهر ما قيل في الشعر العربي قبل الإسلام. تعتبر هذه القصيدة نموذجًا فريدًا يعكس حياة الشاعر وبيئته، ويجسد مهارته اللغوية وقدرته على التصوير الفني. سنقوم هنا بتحليل هذه المعلقة بشكل موجز، مع تسليط الضوء على أهم جوانبها.

تحليل وتوضيح مقاطع من المعلقة

تتميز معلقة امرئ القيس ببنائها المحكم وتنوع موضوعاتها. يبدأ الشاعر بالوقوف على الأطلال، ثم ينتقل إلى وصف المرأة، ورحلات الصيد، وأخيراً وصف الخيل والليل.

يقول امرؤ القيس في مطلع معلقته:

قِفا نَبْكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقطِ اللوى بَيْنَ الدَخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتوضِحَ فَالْمِقْراةِ لَم يَعفُ رَسمُهَالِما نَسَجَتْها مِن جَنوبٍ وَشَمْأَلِ
تَرى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِهاوَقيعانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ

في هذه الأبيات، يدعو الشاعر صاحبيه للتوقف والبكاء على أطلال ديار حبيبته، ويذكر أماكن مثل الدخول وحومل والمقراة. ويصف كيف أن آثار الحيوانات ما زالت موجودة في تلك الديار المهجورة.

ثم يكمل وصف حالته:

كَأَنّي غَداةَ الْبَينِ يَوْمَ تَحَمَلُوالَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ
وُقوفًا بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُمْيَقولونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفائي عَبْرَةٌ مَهَراقَةٌفَهَل عِنْدَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
كَدَأبِكَ مِن أُمِّ الحُوَيرِثِ قَبلَهَاوَجارَتِها أُمِّ الرَبابِ بِمَأسَلِ
فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّيصَبابَةًعَلى النَحْرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي

يصف الشاعر يوم الفراق بأنه كمن يقتلع الحنظل من مرارته. أصحابه ينصحونه بالصبر، لكنه يرى أن شفاءه في البكاء. ويذكر أسماء بعض النساء اللواتي عرفهن في الماضي، ويبكي حتى تبتل لحيته بدموعه.

ويستطرد في ذكر ذكرياته:

أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالحٍٍوَلا سِيَّما يَومٍ بِدارَةِ جُلجُلِ
وَيَومَ عَقَرتُ لِلعَذارى مَطِيَّتيفَيا عَجَبًا مِنْ كورِها المُتَحَمَّلِ
فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِهاوَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ

يتذكر الشاعر يومًا في دارة جلجل، حيث التقى بعنيزة وصاحباتها، وذبح ناقته لإطعامهن. ويتعجب من كمية اللحم والشحم التي كانت في الناقة.

ثم ينتقل إلى وصف لقائه بعنيزة في خدرها:

وَيَومَ دَخَلتُ الخِدرِِ خِدرَ عُنَيزَةٍفَقالَت لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرجِلي
تَقولُ وَقَد مالَ الغَبيطُ بِنا مَعًاعَقَرتَ بَعيري يا اِمرَأَ القَيسِِ فَاِنزُلِ
فَقُلتُ لَها سيري وَأَرخي زِمامَهُوَلا تُبعِديني مِن جَناكِ المُعَلَّلِ
فَمِثلُكِ حُبلى قَدْ طَرَقتُ وَمُرضِعٍفَأَلهَيتُها عَن ذي تَمائِمَ مُحوِلِ
إِذا ما بَكى مِن خَلفِها اِنصَرَفَتْ لَهُبِشِقٍّ وَتَحتي شِقُّها لَم يُحَوَّلِ

يصف كيف دخل على عنيزة في هودجها، وكيف خافت منه. لكنه طمأنها وأخبرها أنه معشوق من النساء، وأنه ينال ما يريد منهن حتى لو كن حوامل أو مرضعات.

ثم يخاطب فاطمة:

أَفاطِمَ مَهْلًا بَعضَ هَذا التَدَلُّلِوَإِن كُنتِ قَد أَزمَعتِ صَرْمي فَأَجْمِلي
وَإِن تَكُ قَد ساءَتكِ مِنّي خِلقَةٌفَسُلّي ثِيابي مِن ثِيابِكِ تَنسُلِ
أَغَرَّكِ مِنّي أَنَّ حُبَّكِ قاتِليوَأَنَّكِ مَهما تَأمُري القَلبَ يَفعَلِ
وَما ذَرَفَت عَيناكِ إِلّا لِتَضرِبيبِسَهمَيكِ في أَعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِي

يصف علاقته بفاطمة ويطلب منها التخفيف من تدللها، معبرا عن حبه الشديد لها وأن دموعها تؤثر به بشدة.

ويختم وصفه للعلاقات الغرامية:

وَبَيضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُهاتَمَتَّعتُ مِن لَهْوٍ بِها غَيرَ مُعجَلِ
تَجاوَزتُ أَحراسًا إِلَيها وَمَعشَرًاعَلَيَّ حِراسًا لَو يُسِرّونَ مَقتَلي
إِذا ما الثُرَيّا في السَماءِ تَعَرَّضَتْتَعَرُّضَ أَثناءِالوِشاحِالمُفَصَّلِي
فَجِئتُ وَقَد نَضَّت لِنَومٍ ثِيابَهالَدى السِترِ إِلّا لِبسَةَ المُتَفَضِّلِ
فَقالَتْ يَمينَ اللَهِ ما لَكَ حيلَةًوَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةَ تَنجَلي
خَرَجتُ بِها أَمشي تَجُرُّ وَراءَناعَلى أَثَرَينا ذَيلَ مِرطٍ مُرَحَّلِي
فَلَمّا أَجَزنا ساحَةَ الحَيِّ وَاِنتَحىبِنا بَطنُ خَبثٍ ذي حِقافٍ عَقَنقَلِهَصَرتُ بِفَودي رَأسِها فَتَمايَلَتعَلَيَّ هَضيمَ الكَشحِ رَيّا المُخَلخَلِ
إِذا اِلتَفَتَت نَحوي تَضَوَّعَ ريحُهانَسيمَ الصَبا جاءَت بِرَيّا القَرَنفُلِ

يصف مغامرته مع فتاة ذات حسب ونسب، وكيف تجاوز الحراس ليصل إليها، ثم يصف خروجهما من الخيمة وما دار بينهما من لقاء.

المضامين الأساسية في المعلقة

تتضمن معلقة امرئ القيس مجموعة من الأفكار المحورية التي تعكس شخصية الشاعر وحياته، ومن أبرزها:

  • الحنين إلى الماضي والوقوف على الأطلال.
  • التعبير عن الشوق والحب للمرأة.
  • وصف المغامرات العاطفية والجرأة في العلاقات.
  • تصوير مشاهد الصيد والفروسية.
  • الفخر بالنفس وقوة الشخصية.

الجماليات الفنية في القصيدة

تزخر معلقة امرئ القيس بالصور الفنية الرائعة والتشبيهات البليغة، مما يضفي على القصيدة جمالًا وعمقًا، ومن أمثلة ذلك:

تَرى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِها:::وَقيعانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ

في هذا البيت، يشبه الشاعر بعر الأرآم بحب الفلفل، وهذا تشبيه مجمل حيث حذف وجه الشبه.

كَأَنّي غَداةَ الْبَينِ يَوْمَ تَحَمَلُوا:::لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ

يشبه الشاعر نفسه بناقف الحنظل من شدة البكاء، وهو تشبيه مجمل أيضًا.

فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِهاوَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ

يشبه لحم الناقة وشحمها بهداب الدمقس، وهو تشبيه مجمل آخر.

المصادر

  • عارفة كودورث، تحليل معلقة امرؤ القيس في العصر الجاهلي: البلاغة والرمزية، صفحة 7. بتصرّف.
  • دليلة مروك، استراتيجية القارئ في شعر المعلقات، صفحة 115. بتصرّف.
  • خلدون صبح، البنية الجمالية للتشبيه في معلقة امرئ القيس، صفحة 8. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة في مسرحية المتوهم بالمرض

المقال التالي

دراسة في معلقة امرئ القيس (قفا نبك)

مقالات مشابهة