تعتبر قصيدة “وطن” لمحمود درويش من أبرز الأعمال الشعرية التي تجسد حب الوطن والانتماء إليه. هذه القصيدة تعبر عن تجربة الشاعر الشخصية وعن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. في هذه المقالة، سنقوم بدراسة متعمقة للقصيدة، وتحليل جوانبها المختلفة من حيث المضمون والشكل والإيقاع.
استكشاف المضامين
تتمحور القصيدة حول فكرة رئيسية واحدة وهي الوطن، والتعبير عن العشق العميق له. يتضح من خلال أبيات القصيدة أن محمود درويش اعتمد على مبدأ التركيز، حيث تدور القصيدة بأكملها حول موضوع واحد وهو الحديث عن الوطن. الشاعر يظهر ارتباطًا وثيقًا بوطنه، ويسعى إلى إظهار هذا التعلق من خلال التمسك بهذا المحور.
على الرغم من هذا التركيز، يتناول الشاعر مواضيع فرعية متصلة بالموضوع الرئيسي. يتحدث عن العلاقة بين الوفاء والخيانة، ويحتفي بوطنه، ويتطرق إلى أهمية المقاومة. الشاعر يعيش أزمة وجودية بسبب احتلال وطنه، وهذا ما دفعه إلى التركيز على موضوع الوطن.
يقول درويش:
وطني! يعلمني حديدُ سلاسلي
عنف النسور ورقة المتفائلِ
ما كنت أعرف أن تحت جلودنا
ميلادَ عاصفةٍ… وعرس جداولِ
سَدُّوا عليَّ النور في زنزانةٍ
فتوهَّجتْ في القلب… شمسُ مشاعلِ
السمات الفنية
يكشف التدقيق في القصيدة عن سعي الشاعر للتعبير عن حبه العميق للوطن وتعلقه به. في المقطع الأول، يصف الشاعر وطنه بالنسر، للدلالة على القوة. يؤكد هذا الوصف أن الوطن ما زال قويًا رغم الاحتلال، طالما استمرت المقاومة. يحكي الشاعر في هذا المقطع عن آلامه وآلام وطنه، فقد نشأ فيه وهو يعاني من الظلم، ولكنه نشأ قويًا وصلبًا.
يقول درويش:
وطني! يا أيها النسرُ الذي يغمد منقار اللهبْ
في عيوني
أين تاريخ العرب؟
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين وغضب.
وأنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرةْ
وجبيني منزلاً للقُبَّرة.
وطني إنا ولدنا وكبرنا بجراحك
وأكلنا شجر البلّوط…كي نشهد ميلاد صباحك
أيها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سببْ
أيها الموت الخرافيُّ الذي كان يحب
لم يزل منقارك الأحمر في عينيَّ
سيفاً من لهب…
وأنا لست جديراً بجناحك
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين… وغضب!
يعزز الشاعر في هذا المقطع معاناة وطنه من الاحتلال، حيث يصف وطنه بالنسر الأسير المحاط بالأغلال، مما يدل على عمق معاناة الوطن. وصف الشاعر لوطنه بالنسر الأسير ينفي عنه صفة الضعف، فهو قوي رغم أسره، ولا بد من تقييده حتى لا ينتفض ضد المحتل.
يعلن الشاعر في المقطع الثاني عن تمسكه بقضيته، ويصف شدة ولائه للوطن حتى لو أعدموه، فهو لن يتخلى عن حبه لوطنه ولن يرضى بأن يكون الوطن مجرد ذكرى. لن يتخلى الشاعر عن مبادئ المقاومة، فالوطن بحاجة إليه، ويصفه بالشيخ العاجز وبالطفل الضائع، للتأكيد على حاجة الوطن فلسطين لأبنائه.
الأبعاد الإيقاعية
تمت كتابة القصيدة على البحر الخفيف، وهو بحر هادئ يتناسب مع عاطفة الحنين والشوق والأمل التي تظهر في القصيدة. يخلق الشاعر إيقاعًا هادئًا على مستوى الموسيقى الخارجية، وعلى مستوى الإيقاع الداخلي، يسكن الشاعر أواخر الكلمات، ويستخدم ألفاظًا ذات جرس موسيقي هادئ.
استخدام الشاعر لهذا النمط الإيقاعي له عدة أسباب، أولها أن عاطفة القصيدة ليست حماسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الأصوات الرنانة يقلل من الهدوء الذي يجب أن يتحلى به صاحب القضية. يريد الشاعر أن يثبت أنه وشعبه أصحاب حق، وأن حقهم باقٍ ولا يحتاج إلى أصوات مرتفعة لإظهار هذه الحقيقة.
الأفكار المحورية في القصيدة
تناولت القصيدة عدة أفكار رئيسية، منها:
- التعبير عن الحب والتعلق بالوطن ورفض الخيانة أو التخلي عنه.
- التعبير عن حال الوطن تحت الاحتلال والمعاناة التي يمر بها.
- التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في أرضه ورفض النسيان.
خلاصة
قصيدة “وطن” لمحمود درويش هي مرثاة للوطن، وتعبير عن الحب العميق والانتماء الذي لا يلين. من خلال التحليل الموضوعي والفني والإيقاعي، ندرك أن درويش قد نجح في تصوير معاناة الشعب الفلسطيني وتشبثه بأرضه وهويته. هذه القصيدة تظل شاهدة على حقبة تاريخية مهمة، ومصدر إلهام للأجيال القادمة.