دراسة في قصيدة: هم ألم به مع الظلماء لإيليا أبو ماضي

دراسة تحليلية لقصيدة ‘هم ألم به مع الظلماء’ لإيليا أبو ماضي. تتناول الدراسة الجوانب الأدبية والفنية والإيقاعية للقصيدة، مع إبراز أثرها البلاغي.

نظرة في المعنى العام لقصيدة ‘هم ألم به مع الظلماء’

يبدأ إيليا أبو ماضي هذه المقطوعة الشعرية بتصوير دقيق للمعاناة الداخلية والشعور بالحزن العميق الذي يسيطر على الإنسان. يصف الشاعر تلك المشاعر بأنها “همّ ألم به مع الظلماء”، ما يعكس الوحدة والعزلة التي يعيشها الشخص المتألم. لا يجد هذا الشخص ملاذاً من ألمه حتى في النوم، حيث يقول:

هَمٌّ أَلَمَّ بِهِ مَعَ الظَّلماءِ
فَنَأى بِمُقلَتِهِ عَنِ الإِغفاءِ
نَفسٌ أَقامَ الحُزنُ بَينَ ضُلوعِهِ
وَالحُزنُ نارٌ غَيرَ ذاتِ ضِياءِ

يتابع الشاعر تصوير حالة البؤس، مشيراً إلى أن هذا الشخص يرعى نجوم الليل ليس حباً فيها، بل هرباً من واقعه المؤلم. النار التي تشتعل في قلبه هي نار الحزن واليأس، ودموعه تنهمر كدموع الخنساء على فقد أحبائها.

يَرعى نُجومَ اللَيلِ لَيسَ بِهِ هَوى
وَيَخالُهُ كَلِفاً بِهِنَّ الرائي
في قَلبِهِ نارُ الخَليلِ وَإِنَّما
في وَجنَتَيهِ أَدمُعُ الخَنساءِ

يؤكد الشاعر على شدة اليأس الذي يتملّك هذا الشخص، ويشبّهه بمن يعضه اليأس بأنيابه. ثم يصف حالته بالقول:

قَد عَضَّهُ اليَأسُ الشَّديدُ بِنابِهِ
في نَفسِهِ وَالجوعُ في الأَحشاءِ
يَبكي بُكاءَ الطِفلِ فارَقَ أُمِّهِ
ما حيلَةُ المَحزونِ غَيرُ بُكاءِ
فَأَقامَ حِلسَ الدارِ وَهوَ كَأَنَّهُ
لِخُلُوِّ تِلكَ الدارِ في بَيداءِ

يصف الشاعر حيرته وتردده بين إنهاء حياته للتخلص من الألم أو الاستمرار في تحمل مرارة العيش، قائلاً:

حَيرانُ لا يَدري أَيَقتُلُ نَفسَهُ
عَمداً فَيَخلُصَ مِن أَذى الدُّنيا
أَم يَستَمِرَّ عَلى الغَضاضَةِ وَالقَذى
وَالعَيشُ لا يَحلو مَعَ الضَرّاءِ
طَرَدَ الكَرى وَأَقامَ يَشكو لَيلَهُ
يا لَيلُ طُلتَ وَطالَ فيكَ عَنائي
يا لَيلُ قَد أَغرَيتَ جِسمي بِالضَنا
حَتّى لَيُؤلِمَ فَقدُهُ أَعضائي
وَرَمَيتَني يا لَيلُ بِالهَمِّ الَّذي
يَفري الحَشا وَالهَمُّ أَعسَرُ داءِ
يا لَيلُ ما لَكَ لا تَرِقُّ لِحالَتي
أَتُراكَ وَالأَيّامُ مِن أَعدائي
يا لَيلُ حَسبِيَ ما لَقيتُ مِنَ الشَقا
رُحماكَ لَستُ بِصَخرَةٍ صَمّاءِبِن
يا ظَلامُ عَنِ العُيونِ فَرُبَّما
طَلَعَ الصَباحُ وَكانَ فيهِ عَزائي
وارَحمَتا لِلبائِسينَ فَإِنَّهُم
مَوتى وَتَحسَبُهُم مِنَ الأَحياءِ

ينتقل الشاعر للحديث عن ظلم الآخرين، وكيف أنهم يعيشون في ظلام دامس من الحقد والكراهية. يقول:

إِنّي وَجَدتُ حُظوظَهُم مُسوَدَّةٌ
فَكَأَنَّما قُدَّت مِنَ الظَلماءِ
أَبَداً يُسَرُّ بَنو الزَمانِ وَما لَهُم
حَظٌّ كَغَيرِهِم مِنَ السَرّاءِ
ما في أَكُفِّهِم مِنَ الدُنيا سِوى
أَن يُكثِروا الأَحلامَ بِالنَعماءِ
تَدنو بِهِم آمالُهُم نَحوَ الهَنا
هَيهاتَ يَدنو بِالخَيالِ النائي
بَطَرُ الأَنامِ مِنَ السُرورِ وَعِندَهُم
إِنَّ السُرورَ مُرادِفُ العَنقاءِ
إِنّي لَأَحزَنُ أَن تَكونَ نُفوسُهُم
غَرَضَ الخُطوبِ وَعُرضَةَ الأَرزاءِ

ثم يعلن الشاعر عن اختلافه عن بقية الشعراء الذين يسعون وراء المال والشهرة، مؤكداً على أنه لن يبيع قلمه أو يمدح أحداً كذباً. يقول:

أَنا ما وَقَفتُ لِكَي أُشَبِّبَ بِالطَلا
ما لي وَلِلتَشبيبِ بِالصَهباءِ
لا تَسأَلوني المَدحَ أَو وَصفَ الدُمى
إِنّي نَبَذتُ سَفاسِفَ الشُعَراءِ
باعوا لِأَجلِ المالِ ماءَ حَيائِهِم
مَدحاً وَبِتُّ أَصونُ ماءَ حَيائي
لَم يَفهَموا ما الشِعرُ إِلّا أَنَّهُ
قَد باتَ واسِطَةً إِلى الإِثراءِ
فَلِذاكَ ما لاقَيتُ غَيرَ مُشَبِّبٍ
بِالغانِياتِ وَطالِبٍ لِعَطاءِ
ضاقَت بِهِ الدُنيا الرَحيبَةُ فَاِنثَنى
بِالشِعرِ يَستَجدي بَني حَوّاءِ
شَقِيَ القَريضُ بِهِم وَما سَعِدوا بِهِ
لَولاهُمُ أَضحى مِنَ السُعَداءِ
نادوا عَلَينا بِالمَحَبَّةِ وَالهَوى
وَصُدورُهُم طُبِعَت عَلى البَغضاءِ
أَلِفوا الرِياءَ فَصارَ مِن عاداتِهِم
لَعَنَ المُهَيمِنُ شَخصَ كُلِّ مُرائي
إِن يَغضَبوا مِمّا أَقولُ فَطالَما
كَرِهَ الأَديبَ جَماعَةُ الغَوغاءِ

الجوانب الجمالية في قصيدة ‘هم ألم به مع الظلماء’

تزخر القصيدة بالصور الفنية البديعة التي أضفت عليها جمالاً ورونقاً خاصاً. استخدم إيليا أبو ماضي الاستعارة المكنية بشكل ملحوظ، حيث جسّد المعاني المجردة وأعطاها صفات حسية. ففي قوله “همّ ألم به”، استعار الشاعر صورة الهم بالإنسان الذي يلم بالآخرين، مما يجعل القارئ يشعر بثقل هذا الهم وتأثيره.

كما وظّف الشاعر أسلوب التكرار لتعزيز المعنى وتثبيته في ذهن القارئ. تكرار كلمة “الحزن” يؤكد على عمق هذا الشعور وسيطرته على الشاعر.

فحص للإيقاع الموسيقي في قصيدة ‘هم ألم به مع الظلماء’

جاءت القصيدة على وزن البحر الكامل، وهو بحر يتميز بالخفة والمرونة، مما يتيح للشاعر التعبير عن مشاعره وأفكاره بسهولة ويسر. وتفعيلته هي “متفاعلن متفاعلن متفاعلن”.

كما أن تكرار بعض الحروف، مثل حرف النون، أضفى على القصيدة نغماً موسيقياً خاصاً، مثل “الحزن، النجم، الخنساء”.

المصادر

  1. “هم ألم به مع الظلماء”، الديوان
Total
0
Shares
المقال السابق

قراءة في قصيدة: متى يا كرام الحي لأبي مدين التلمساني

المقال التالي

قراءة في قصيدة (إلى أمي) لمحمود درويش

مقالات مشابهة