دراسة في أعماق رواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف

تحليل معمق لرواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف: الأسلوب اللغوي، الصور الفنية، تقنيات الحوار والسرد، والشخصيات الروائية.

مقدمة عن الرواية

تعتبر رواية “شرق المتوسط” للكاتب عبد الرحمن منيف من الأعمال الأدبية الهامة التي تناولت أدب السجون السياسية. نشرت الرواية في عام 1972، وتمثل باكورة أعمال منيف الروائية. تسلط الرواية الضوء على حياة السجناء والمعاناة التي يواجهونها من تعذيب وظروف قاسية، بالإضافة إلى تأثير السجن على حياة عائلاتهم. اختار المؤلف أن تكون الأحداث غير مقيدة بمكان محدد، بل جعلها تدور في منطقة “شرق المتوسط” كرمزية أوسع.

تبرز الرواية كيف أن السجن ينهب من بطلها كل شيء، بما في ذلك سنوات عمره، وفقدان والدته، وضياع حبيبته. يصل البطل إلى نقطة يقرر فيها التوقيع على ورقة اعتراف مقابل حريته، رغم ما يعنيه ذلك من وصمه بالخيانة من قبل رفاقه.

نظرة فاحصة على القضايا المطروحة

تستكشف رواية “شرق المتوسط” عدداً من القضايا الهامة المتعلقة بالحرية، والظلم السياسي، وتأثير السلطة القمعية على الأفراد والمجتمعات. تتناول الرواية موضوع التعذيب الجسدي والنفسي الذي يتعرض له السجناء السياسيون، وكيف يؤثر ذلك على أرواحهم وعلاقاتهم الإنسانية. كما تسلط الضوء على التضحيات التي يقدمها الأفراد من أجل الدفاع عن مبادئهم وقيمهم، والصراع الدائم بين الرغبة في الحرية والخوف من القمع.

من خلال شخصية رجب، تكشف الرواية عن التحديات التي يواجهها المثقفون والناشطون السياسيون في الأنظمة القمعية، وكيف يتم تهميشهم ومحاولة إسكات أصواتهم. كما تتناول الرواية قضية الخيانة، سواء كانت خيانة الأفراد لمبادئهم أو خيانة الأنظمة لشعوبها.

الخصائص الأسلوبية في الرواية

تعتمد الرواية على أسلوب سردي يعتمد على تقنية الاسترجاع الفني. تبدأ الأحداث مع رجب إسماعيل، السجين السياسي السابق، وهو على متن سفينة متجهة للعلاج من الروماتيزم. تبدأ ذكرياته في العودة به إلى سنوات سجنه الخمس، وكيف اضطر إلى تقديم “الثمن” المطلوب منه، وهو الاعتراف.

يتميز أسلوب الكاتب بالرشاقة والوصف الدقيق، مما يجذب القارئ ويجعله متشوقًا لمعرفة المزيد من الأحداث. يستخدم منيف لغة بسيطة وواضحة، لكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات العميقة.

الصور الفنية والاستعارات في الرواية

تتميز الرواية بالعمق الفني والوضوح في الدلالة الفلسفية. يجمع الكاتب بين البساطة في التعبير والقدرة على إيصال الأفكار المعقدة إلى القارئ العادي. يعكس عمل منيف خلفيته كفنان تشكيلي، حيث يولي اهتمامًا كبيرًا للتفاصيل البصرية والوصفية. كان ينظر إلى الكتابة الروائية على أنها مغامرة مؤقتة، لكنها سرعان ما استولت عليه.

يتميز أسلوبه بالجمع بين روح الروائي والتشكيلي، حيث لا يكتفي بتسجيل اللحظة الإبداعية، بل يعمد إلى التخطيط للشخصيات ورسمها على الورق بروح الفنان.

الحوار وتقنيات السرد

ركز الحوار والسرد في الرواية على عدة جوانب:

  • استخدام الحوار الداخلي: حيث يلجأ رجب إلى التحدث مع نفسه، معبرًا عن مشاعره وأفكاره الداخلية. “آه ما أتعس الإنسان، عندما يداهمه العجز ويفقد القدرة كليًا، على ان يقول تلك الأشياء التي نامت معه وقامت خلال سنين”. وبعد الإفراج عنه يقول لنفسه: “إنني لم احمل بندقية ولم اقتل أحدًا.”
  • السرد بلسان المتكلم وعلى ألسنة العديد من الأبطال: يتميز السرد بالتناوب بين بطل الرواية وأخته أنيسة، حيث يعرض كل منهما وجهة نظره الخاصة. هذا الأسلوب مكن منيف من عرض القضية من جوانب مختلفة.

تحليل الشخصيات الروائية

تضم الرواية شخصيات رئيسية وثانوية:

  • الشخصيات الرئيسية:
    • رجب: الشخصية المحورية، الشاب المثقف الذي يتحول من قراءة الكتب العادية إلى الكتب الممنوعة التي تتحدث عن الحقوق والعدالة، ثم يتعرض للاعتقال بسبب نضاله.
    • أنيسة: أخت رجب، التي تصبح بمثابة الأم بعد وفاة والدتهما.
    • الأم: تظل الأم حاضرة بقوة حتى بعد وفاتها، وتلعب دورًا هامًا في صمود رجب. طلبت الأم من ابنها قبل سجنه ألا يقترب من السياسة، ولكنها عندما يسجن، تطلب منه أن يكون رجلًا وأن يصمد حتى النهاية.
  • الشخصيات الثانوية:
    • رفاق رجب في التنظيم.
    • السجان.
    • الدكتور (طبيب السجناء).
    • حامد (زوج أنيسة).
    • عادل وليلى (أبناء أنيسة وحامد).
    • أسعد (الأخ الأكبر لرجب).
    • هادي (المناضل الصلب، سجين مع رجب).
    • سعد الدين (المناضل الخائن).

تنقسم الشخصيات إلى نامية (تتطور مع الأحداث) وثابتة (تبقى على حالها طوال الرواية). رجب، الأم، أنيسة، حامد، وبعض السجناء هم شخصيات نامية، بينما السجان وأسعد هم شخصيات ثابتة.

وجهات نظر نقدية حول الرواية

تعددت آراء النقاد حول رواية شرق المتوسط، ومن أبرزها:

  • وائل الحناوي: يرى أن الرواية من أجمل الروايات العالمية، وأنها بمثابة وثيقة تصف واقع الإنسان العربي، وأن منيف نجح في تقديم صورة دقيقة لحال المعتقل وأسرته.
  • هناء عبيد: ترى أن منيف نجح في أخذ القارئ ببراعة ليعيش حال السجين السياسي، ولكنها تشير إلى أن الرواية لم تتطرق إلى أسباب الاعتقال بشكل مفصل.

المراجع

  • “مراجعة رواية شرق المتوسط للكاتب عبدالرحمن منيف”، روايتك.
  • “عبد الرحمن منيف.. أيقونة الرّواية العربية”، الجزيرة.
  • “عبدالرحمن منيف .. متى يولد الفن؟”، الجزيرة.
  • عدنان محمد علي المحادين، تيار الوعي في روايات عبد الرحمن منيف، صفحة 96.
  • رقية جرموني، تحليل الخطاب السردي في رواية شرق المتوسط، صفحة 15.
  • “نبذة عن رواية شرق المتوسط”، المعرفة.
  • “شرق المتوسط (رواية)”، كشاف.
  • وائل الحناوي (1/5/2018)، “رواية “شرق المتوسط”.. وثيقة تصف واقع الإنسان العربي”، الجزيرة.
  • هناء عبيد (15/9/2021)، “قراءة في رواية شرق المتوسط للروائي عبد الرحمن منيف”، صوت العرب.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نظرة في أحداث وشخصيات ساق البامبو

المقال التالي

نظرة في أعماق رواية صخرة طانيوس

مقالات مشابهة

قصائد شعرية مختارة

مجموعة من القصائد الشعرية الرائعة لبدر شاكر السياب، وإبراهيم طوقان، وعمر أبو ريشة، ونزار قباني، وأبي القاسم الشابي، وأحمد شوقي. ستجدون فيها مشاعر متنوعة، من الحب والفراق إلى التأمل في الحياة والموت.
إقرأ المزيد