دراسة صرفية لقصيدة شعرية

كيفية إجراء دراسة صرفية لقصيدة شعرية. نماذج لتحليل قصيدة. التركيبات الصرفية للأفعال، والمشتقات، والوحدات الصرفية (المورفيمات) في القصيدة.

مقدمة

يُعتبر التحليل الصرفي أحد الركائز الأساسية في فهم اللغة العربية، فهو يُمكّننا من استكشاف المعاني العميقة للنصوص الأدبية، وتحديدًا الشعر. من خلال الفحص الدقيق لصيغ الأفعال، وأنواع المشتقات، وتحديد الوحدات الصرفية (المورفيمات) المختلفة، نتمكن من كشف النقاب عن الجوانب الجمالية والإيحائية للنص الشعري. هذا التحليل لا يقتصر فقط على تحديد الأوزان الصرفية، بل يتعداه إلى فهم دلالات هذه الأوزان وتأثيرها على المعنى العام للقصيدة.

منهجية تحليل القصيدة صرفيًا

لتحليل قصيدة شعرية على المستوى الصرفي، يمكن اتباع الخطوات التالية:

  1. فحص الصيغ اللغوية: تحديد الأوزان الصرفية المختلفة للكلمات، سواء كانت أفعالًا أم أسماءً أم حروفًا.
  2. دراسة بناء الكلمة: تحليل الكلمة إلى أجزائها المكونة لها، وتحديد أصلها وجذورها.
  3. تحليل توافق الوحدات الصوتية: دراسة العلاقة بين الأصوات المختلفة في الكلمة وتأثيرها على المعنى.

نموذج تطبيقي: تحليل صرفي لقصيدة

سنقوم بتحليل قصيدة “دعيني وقولي” للشنفرى كمثال توضيحي.

الأوزان الصرفية للأفعال

عند قراءة قصيدة “دعيني وقولي” للشنفرى، نلاحظ غلبة الأفعال الماضية على وزن “فَعَلَ”، مثل: “خَرَجْنَا”، “قَلَّتْ”، “شَنَّ”. هذه الصيغة تحمل دلالة الثبات واللزوم، وتشير إلى وقوع الحدث في زمن مضى قبل زمن التكلم.

كما نجد أفعالًا على وزن “فَعَّلَ”، وهي صيغة رباعية مزيدة بالتضعيف، تدل على التعدية والتكثير والمبالغة. استخدام الشنفرى لهذه الصيغة يعكس رغبته في إضفاء قوة وشدة على الأحداث التي يصفها.

يقول الشاعر:

دَعيني وَقولي بَعدُ ما شِئتِ إِنَّني
سَيُغدَى بِنَعشي مَرَّةً فَأُغَيَّبُ
خَرَجنا فَلَم نَعهَد وَقَلَّت وَصاتُنا
ثَمانِيَة ما بَعدَها مُتَعَتَّبُ
سَراحينُ فِتيانٍ كَأَنَّ وُجوهَهُم
مَصابيحُ أَو لَونٌ مِنَ الماءِ مُذهَبُ
نَمُرُّ بِرَهوِ الماءِ صَفحًا وَقَد طَوَت
ثَمائِلُنا وَالزادُ ظَنٌّ مُغَيَّبُ
ثَلاثاً عَلى الأَقدامِ حَتّى سَما بِنا
عَلى العَوصِ شَعشاعً مِنَ القَومِ مِحرَبُ
فَثاروا إِلَينا في السَوادِ فَهَجهَجوا
وَصَوَّتَ فينا بِالصَباحِ المُثَوَّبُ
فَشَنَّ عَلَيهِم هَزَّةَ السَيف ثابِتٌ
وَصَمَّمَ فيهِم بِالحُسامِ المُسَيَّبُ
وَظِلتُ بِفِتيانٍ مَعي أَتَّقيهُمُ
بِهِنَّ قَليلاً ساعَةً ثُمَّ خُيِّبوا
وَقَد خَرَّ مِنهُم راجِلانِ وَفارِسٌ
كَمِيٌّ صَرَعناهُ وَخومٌ مُسَلَّبُ
يَشُنُّ إِلَيهِ كُلُّ ريعٍ وَقَلعَةٍ
ثَمانِيَةً وَالقَومُ رِجلٌ وَمِقنَبُ
فَلَمّا رَآنا قَومُنا قيلَ أَفلِحوا
فَقُلنا اِسأَلوا عَن قائِلٍ لا يُكَذَّبُ

الكلمات المشتقة

يبرز في القصيدة استخدام اسم المفعول المشتق من الفعل المزيد، مثل: “مُتَعَتَّب”، “مُذْهَب”، “مُغَيَّب”، “مُسَيَّب”، “مُسَلَّب”. هذه الصيغة تدل على وصف من وقع عليه الفعل، وتتعدى مجرد تحديد من وقع عليه الفعل إلى ذكر صفاته. الشاعر يستخدمها لوصف العدو أثناء المعركة.

كما تظهر صيغة اسم الفاعل، مثل: “ثابتٌ”، “فارسٌ”، “قائل”. هذه الصيغة تدل على وصف من قام بالفعل. الشاعر يوظفها للدلالة على نفسه وعلى صفاته.

يستخدم الشاعر صيغًا لجمع التكسير للدلالة على الكثرة، مثل “فِعْلان” في “فِتْيان”، و”فعائل” في “ثمائل”، و”فعاليل” في “مصابيح” و”سراحين”، مما يعكس ضراوة المعركة وقوة القتال.

الوحدات الصرفية (المورفيمات)

المورفيمات هي وحدات لغوية دالة تُسهم في تحليل الكلمات. القصيدة غنية بالمورفيمات المختلفة.

  • المورفيمات الداخلة على الأفعال: مثل النون في “خرجنا” (تدل على الجماعة)، والياء في “دعيني وقولي” (تدل على المفعول به)، والواو في “خُيِّبوا” (تدل على الفاعل)، والتاء في “ظِلْتُ، شِئْتِ”، والسين والياء في “سَيُغْدى” (السين تدل على المستقبل، والياء تدل على المضارعة).
  • مورفيم التعريف بـ “أل”: مثل “الماء”، “الزَّاد”، “السواد”، “الأقدام”، “الصّباح”.
  • حروف الجر: مثل “في”، “من”، “إلى”، “عن”، “على”، “الفاء”، “الباء”، “الكاف”، “اللام”.
  • تنوين الرفع: مثل “ثمانيةٌ”، “ثابتٌ”، “فارسٌ”. تنوين الجر: مثل “فِتيانٍ”. تنوين النصب: مثل “صَفحًا”.
  • الضمير “هُم” الدال على المفعولية: “أتَّقيهم”.
  • مورفيمات معجمية: مثل “حسامْ”، “رِجْلْ”.
  • مورفيم النوع الكلامي: مورفيم يدل على الفعلية، مثل “شنّ”، “خَرَّ”، ومورفيم يدل على الاسمية، مثل “مصابيح”، “قلعة”.
  • مورفيم الإعراب: مورفيم الرفع، مثل “الزَّادُ”، ومورفيم النصب، مثل “هَزَّةَ”، ومورفيم الجر، مثل “الحُسَامِ”.
  • مورفيم الزمن: الزمن الماضي في “شَنَّ، صمَّمَ”، والزمن الحاضر في “يُغدى، نمُرّ”، والزمن الأمر في “اسألوا”.
  • مورفيم اشتقاقي: اسم الفاعل في “قائل، فارس”، واسم المفعول في “المُسَيَّب، مُغَيَّب”.

خلاصة

إنّ التحليل الصرفي لقصيدة “دعيني وقولي” للشنفرى يوضح مدى أهمية هذا المستوى اللغوي في فهم النص الشعري، وكشف دلالاته العميقة. من خلال دراسة الأفعال، والمشتقات، والمورفيمات، نتمكن من استخلاص المعاني والإيحاءات التي أراد الشاعر إيصالها.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

قراءة في قصيدة طرقت باب الرجا

المقال التالي

قراءة في معلقة عنترة: يا دار عبلة

مقالات مشابهة